5 انقراضات جماعية عصفت بالحياة على الأرض
ظهر أول شكل للحياة على الأرض منذ ما يقارب 3.5 مليار سنة في عصر يطلق عليه علماء الجيولوجيا بالعصر الأرشي القديم (Paleoarchean). لكن التنوع الحيوي والبيولوجي لم يلاحظ فعليا إلا منذ 542 مليون سنة في بداية العصر الكمبري (ِCambrian) في حدث يسمى بالإنفجارالبيولوجي الكمبري الذي يتميز بظهور فجئي للكائنات البحرية مثل الإسفنجيات والتريلوبايت* (Trilobites) والمرجان والصدفيات...
*التريلوبايت: حيوان مفصلي قديم عاش في الحقبة الجيولوجية الأولى (Paleozoic) وانقرض في نهاية العصر البرمي (Permian) أي تقريبا منذ 251.902 مليون سنة في انقراض عظيم سنعرضه لاحقا في هذه المقالة.
تواصل هذا التنوع البيولوجي خلال العصور الجيولوجية اللاحقة الى أن ظهر الإنسان ووصلنا إلى عصرنا الحالي. وخلال فترات حياة الإنسان على الأرض، كثيرا ما سمعنا عن انقراض نوع أو عدة أنواع من الحيوانات أو سمعنا أن بعض الحيوانات التي تعيش بيننا الآن مهددة بالإنقراض.
وهنا نتساءل، هل الإنسان هو العامل الوحيد الذي يتسبب في انقراض الكائنات الحية أم أن الإنقراض يعتبر شكلا من اشكال دورة الحياة الطبيعية على الأرض؟ وماهي الأحداث الماضية (قبل ظهور الإنسان) التي تسبب في انقراض جماعي للكائنات الحية وما المتسبب فيها؟
حسب علماء الجيولوجيا وعلماء الأحياء القديمة تحديدا، مرت الأرض في ال500 مليون سنة الأخيرة بخمسة أحداث تسببت في انقراضات جماعية مهولة للحياة على الأرض وكان للكوارث الطبيعية دور رئيسي فيها.
1. انقراض نهاية العصر الأردوفيشي (Ordovician)
حدث تقريبا منذ 445 مليون سنة ويعتبر فعليا أول انقراض بيولوجي مسجل في حقبة الحياة القديمة، والثاني من حيث شدته بين أحداث الإنقراض الخمسة. مكّن هذا الحدث من انقراض العديد من الأحياء البحرية واختفائها بالكامل.
يقدّر العلماء أن حوالى 57% من الأجناس (Kinds) و 85% من أنواع الكائنات الحية البحرية (Species) قد انقرضت خلال هذا الحدث.
يرجح أن السبب الرئيسي في هذا الحدث يرجع الى كثرة البراكين التي ارتبطت بتصدّع القشرة الأرضية في تلك الفترة. إذ تمكنت انبعاثات الغاز والرماد البركاني في الجومن حجب الشمس وتقليل نسبة أشعة الشمس التي تصل إلى سطح الأرض مما تسبب في عصور جليدية وانحسار مياه البحار على مدى مئات الكيلومترات.
هذه التغييرات المناخية والبيئية الكبيرة أدت الى صعوبة تأقلم الكائنات البحرية وانقراض العديد منها.
2. انقراض العصر الديفوني الوسيط و المتأخر (Middle and Late Devonian)
يعتبر الإنقراض الثاني بعد انقراض العصر الأردوفيشي، حدث في فترة تمتد من 380- مليون سنة الى 360- مليون سنة. يعتبر العلماء أن هذا الإنقراض قد حدث على ثلاث فترات في نهاية المراحل (stages) الثلاث الأخيرة من العصر الديفوني :
2.1. انقراض نهاية المرحلة الجيفيتية (Gevitian)
حدَث منذ 383 مليون سنة تقريبا و يعتبر الإنقراض الأصغر من بين هذه المراحل الثلاث لإنقراض العصر الديفوني والأقل ضررا على الكائنات الحية.
2.2. انقراض المرحلة الفراسنية (Frasnian)
حدَث منذ 372 مليون سنة ويعتبر الذروة الرئيسية لإنقراض العصر الديفوني و يسمى أيضا بحدث Kellwasser
2.3. انقراض نهاية العصر الديفوني او نهاية مرحلة الفامينيان (Famennian)
حدث هذا الإنقراض منذ 359 مليون سنة ويعتبر تأثيره حوالى ثلاثة أرباع تأثير انقراض الFrasnian على الحياة الحيوانية و النباتية. فقد قدر العلماء أن 75% من الأنواع ومن 35 إلى 50% من الأجناس قد انقرضت خلال هذه الفترة.
تمتد مرحلة انقراض العصر الديفوني على فترة عشرات الملايين من السنين وهذا يدل على أن أسباب هذا الإنقراض عديدة أهمها:
- امتداد كبير للنباتات وتوسعها بشكل مفرط على اليابسة مما سبب انهيار النّظُم البحرية بطريقة غير مباشرة. فتوسُّع هذه النباتات عمل على تفتّت الصخور الجيرية الغنية بثاني أكسيد الكربون ونشرهذا الغاز في الجو، وكذلك أدّت هذه النباتات الى تكوين تربة غنية بالمواد العضوية بشكل مفرط. إنجراف هذه التربة ودخولها الى المحيطات شكّل بيئة قليلة التهوئة والأكسيجين مما حول البحار الى مستنقعات مليئة بالطحالب السامة.
- ظهور عصر جليدي في نهاية مرحلة الفامينيان
- يعتبر العلماء أن السبب الرئيسي لإنقراض مرحلة الفراسنيان يعود إلى سقوط نيزك في ما نعتبره اليوم استراليا.
- انفجارات بركانية تزامنت مع انقسام قارة غوندوانا البدائية (Proto Gondwana).
3. انقراض نهاية حقبة الحياة القديمة أو نهاية العصر البرمي
يعتبر هذا الإنقراض هو الأعنف في تاريخ الأرض فقد سجّل العلماء عن طريق الحفريات أن 95% من الكائنات البحرية و 70% من الفقاريات الأرضية قد اختفت خلال هذه الفترة، هذا الحدث أدّى أيضا الى اختفاء العديد من النباتات.
يُعدّ هذا الحدث هو الفاصل بين حقبتين جيولوجيتين كبيرتين (حقبة الحياة القديمة أوPaleozoic Era وحقبة الحياة الوسيطة أو Mesozoic Era)، ويعتبر الحد الفاصل أيضا بين العصر البرمي والعصر الترياسي الذي يتميز بظهور الديناصورات ذات الحجم الصغير.
يعود السبب الأول في هذا الإنقراض إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض خلال فترة تمتد إلى خمسة ملايين سنة. فعن طريق قياس نسبة نظيرالأكسيجين 18 في أكثر من 15000 حفرية بحرية من نوع ال Conodonta (مخلوقات بحرية شبيهة بالأنقليس) التي انقرضت خلال هذه الفترة، استنتج المختصون أن درجة الحرارة في المناطق المدارية امتدت من 50 الى 60 درجة على اليابسة و40 درجة على سطح البحر.
يعود سبب هذا الإنقراض أيضا الى انفجار بركاني هائل في منطقة سيبيريا اليوم مما اطلق كميات هائلة من الغاز الكبريتي في الغلاف الجوي أدّى إلى ارتفاع نسبة حموضة المحيطات.
من أهم الكائنات التي انقرضت في هذا الحدث هي التريلوبايت والغرابتولايت (Graptolites) وبعض أنواع السرخس والمرجان والإسفنجيات وكثير من الرخويات البحرية والفقريات الأرضية كالPelicosaurus وبعض البرمائيات.
4. انقراض نهاية العصر الترياسي
من أهم الفقاريات الأرضية التي انقرضت في هذا الحدث :
- Therapsida : نوع من الكائنات الفقارية يشبه الزواحف إلى حد كبير لكن يرجح انه يلد مثل الثدييات.
- Pseudosuchia : حيوان من الزواحف الأرضية قريب من التماسيح
- Embolomeri : حيوان برمائي شبيه بالزواحف الحديثة
- Temnospondyli : ينتمي إلى البرمائيات
5. انقراض نهاية العصر الطباشيري
يعد هذا الحدث هو الأشهر بين الإنقراضات الجماعية الخمسة، فهو الحدث الذي تسبب في انقراض الديناصورات. حدث تقريبا قبل 66 مليون سنة و بهذا الحدث تنتهي حقبة الحياة المتوسطة وتبدأ حقبة الحياة الحديثة التي تتميز بتكاثر الثدييات العملاقة والطيور.
خلال هذا الحدث، انقرض حوالى 76% من أنواع الكائنات الحية البحرية وخاصة منها الرخويات مثل ال Ammonite (حيوان بحري من الرخويات من رأسيات القدم ذو قوقعة حلزونية) وال Belimnite (حيوان بحري من الرخويات من رأسيات القدم يشبه الحبّار). وكذلك أدى هذا الحدث الى انقراض جميع أنواع الديناصورات وبعض الزواحف الأخرى وبعض التمساحيات (Crocodilians).
يتفق العلماء تقريبا أن السبب الرئيسي في هذا الإنقراض العظيم يرجع إلى ارتطام كويكب بقطر 10 كيلومترات بالأرض في شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية. لكن يعتبر بعض المختصين أن هذا ليس السبب الوحيد في انقراض نهاية العصر الطباشيري، فإضافة إلى وجود طبقات رسوبية غنية بمعدن الإريديوم الذي يدل قطعا على ارتطام كويكب، سجّلت المعطيات الجيولوجية أيضا وجود نشاط بركاني كبير خصوصا في شبه الجزيرة الهندية مما يرجح أيضا أن الثوران البركاني كان أحد أسباب هذا الإنقراض العظيم -إن لم يكن هو السبب الرئيسي.
هل نعيش حاليا في مرحلة انقراض سادسة؟
كثيرا ما نسمع عن تأثير النشاط البشري على الحياة الحيوانية والنباتية لكن هل تساءلنا إلى أي مدى يؤثر الانسان على التنوع البيولوجي؟
في سنة 2013، نُشرت ورقة بحثية في مجلة Science Advances تقول أن شدّة تسارع انقراض الحياة الحيوانية والنباتية في عصرنا الحالي قد تفوق الإنقراضات الماضية بنسبة تصل الى 100 ضعف وهذا لم يسجل من قبل في تاريخ الأرض. إضافة الى ذلك، لم يأخذ ناشروا هذه الدراسة العلمية بعين الإعتبار سوى الحيوانات المعلومة لدينا و المهددة بالإنقراض فقط.
قد لا تكون شدة الإنقراض محسوسة كثيرا بالنسبة لنا بما أن حياة الإنسان تعتبر قصيرة جدا بالنسبة لعمر الأرض، فلا يمكن ملاحظة مدى تسارع الإنقراض في قرن أو اثنين، لكن تسارع وتيرة الإنقراض الذي تعيشه الكائنات الحية الآن كبير جدا إذا ما قارناه بالإنقراضات الخمسة الماضية. فخلال القرون القليلة القادمة، يتوقع العلماء أن 75% على الأقل من الأنواع الحيوانية ستختفي. فإذا ما قارنا هذه البيانات بما حدث خلال نهاية العصر البرمي مثلا، نجد أن هذه النسبة قد سُجلت خلال ملايين السنين وليست بضعة قرون كما هو الحال الآن.
قد لا يُعتبر الإنسان المتسبب الوحيد في هذه الكارثة و لكنه يعتبر العامل الأساسي في تسريع وتيرة الإنقراض، فانبعاث كميات مهولة من الغازات السامة و الصيد الجائر و قلع الغابات والتلوث البحري بالمواد السامة يعود سببه أساسا إلى نشاط الإنسان.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك اي تساؤل او اضافة