القائمة الرئيسية

الصفحات

المليار الممل : عندما توقفت قشرة الأرض عن النمو

 المليار الممل : عندما توقفت قشرة الأرض عن النمو

المليار الممل : عندما توقفت قشرة الأرض عن النمو



إذا كان بإمكانك السفر إلى الماضي ورؤية سطح الأرض قبل مليار سنة، ما الذي ستراه؟ قد يكون المشهد الأكثر اثارة للإهتمام هو عدم وجود أي شيء مألوف، و غرابة العالم في ذلك الوقت. 

لن تكون هناك أشجار ولا حشرات ولا طيور.  أشكال الحياة  بسيطة وبدائية.


لكن تشير دراسة جديدة نُشرت في مجلة Science إلى وجود ميزة أخرى في ذلك الوقت ألا وهي: ندرة الجبال.


إن من مميزات كوكب الأرض هو ديناميكية قشرتها فهي تتغير بشكل دائم. إذ تتحرك الصفائح التكتونية للقشرة الأرضية باستمرار في حركة بطيئة مما يعيد تشكيل سطح الكوكب و تغيره. 


تساهم هذه الحركة في تصادم القارات بعضها ببعض مما يكون العديد من السلاسل الجبلية على أطراف الصفائح المعرضة أكثر للتصادم مثل جبال الهيمالايا ، التي تعد من أطول الجبال في العالم.



1- المليار الممل

تشير الأدلة المحفورة في بلورات الزركون* الصغيرة التي تشكلت في أعماق الأرض إلى أن الصفائح التكتونية لا تعمل دائمًا بالطريقة نفسها التي تعمل بها اليوم. 


ففي الفترة ما بين 1.8 و 0.8 مليار سنة - وهو الوقت الذي أُطلق عليه اسم "المليار الممل" - بدأ سُمك قشرة الأرض القارية في التناقص تدريجيا.


إن السبب الحقيقي لهذا التناقص في سمك القشرة القارية غير معروف. ولكن في أحسن حالاتها ، كانت الأرض أقل سُمكًا بمقدار الثلث مما هي عليه اليوم - وهو تغيير يفترض الباحثون أنه ربما نتج جزئيًا عن تباطؤ حركة الصفائح التكتونية.


الزركون



* : الزركون هو معدن من مجموعة السيليكات. صيغته الكيميائية ZrSiO₄ ، وهي عبارة عن سيليكات الزركونيوم الطبيعي. تمثل بلورات الزركون الطبيعي كبسولات زمنية صغيرة و تتشكل هذه البلورات عندما تبرد الصهارة داخل الأرض ، مسجلة البصمات الكيميائية للظروف القديمة على كوكبنا وهي غير قابلة للتدمير تقريبًا. اكتشف الباحثون بعض بلورات الزركون التي يعود عمرها الى 4.4 مليار سنة اي بعد تشكل الكوكب بوقت قصير والتي تعد أقدم المعادن على الأرض.


يفترض الباحثون أيضًا أن هذه القشرة الرقيقة كان لها عدة انعكاسات على البيئة المحيطة و تحديدا على التنوع البيولوجي و تطور الحياة كما نعرفها. 

ففي ذلك الوقت كانت الجبال قليلة جدا أو منعدمة تقريبا، و هذا ما جعل وتيرة تآكل الصخور بطيئة جدا مما يحد من إمداد الكائنات الحية التي كانت تعيش أساسا في المياه، بالمغذيات والمعادن التي تمنح الحياة.


يقول مينج تانج ، عالم الجيوكيمياء بجامعة بيكين ، والمؤلف الأول لهذه الدراسة : "كانت هناك مجاعة ونقص في المواد المغذية في المحيطات في ذلك الوقت". 

ولكن بعد فترة وجيزة، عاد سُمك القارات الى ما كان عليه في السابق، و بدا أن تدفق المعادن المغذية يقود التطور إلى حياة أكبر وأكثر تعقيدًا.


يقول كريستوفر سبنسر ، الجيوكيميائي والمتخصص في علم التكتونيات بجامعة كوينز بكندا: "تطرح هذه الورقة أسئلة أكثر من الإجابات". 

ولكن بشكل عام، يمكن أن توفر هذه الورقة العلمية "نقطة انطلاق" لفهم كيفية ظهور عالمنا الحديث بشكل أفضل.




2- فك أحجية الصخور

فك أحجية الصخور




كان تانغ يحلل الصخور الجرانيتية من جبال الهيمالايا في جنوب التبت عندما لاحظ نمطًا غريبًا في بلورات معدن الزركون إذ أدرك أن كيمياء بلورات الزركون المأخوذة من عينات التبت تغيرت بالتوازي مع السماكة القارية في الوقت الذي تشكلت فيه الصخورالتي تحتوي هذه البلورات.


كان العلماء في السابق يحددون السُمك القاري من خلال حساب الكميات النسبية لعنصري اللانثانوم** والإيتربيوم** في الصخور. 

لكن استخدام الصخرة نفسها للنظر في الماضي أمر صعب لأن القليل من الصخور الكاملة والتي لم تتحلل قد نجت منذ نشأة الأرض، مما ترك فجوات في التاريخ الجيولوجي.


طور تانغ وفريقه في هذه الدراسة طريقة جديدة لاستخدام الزركون لتقدير السماكة القارية إذ وجدوا أن كمية عنصر اليوروبيوم في بلورات الزركون هذه قد تغيرت جنبًا إلى جنب مع السماكة التي تم قياسها باستخدام الطريقة القديمة التي تعتمد على عنصري اللانثانوم و الإيتربيوم، وتم نشر هذا النموذج الجديد في العام الماضي في مجلة Geology.


** اللانثانوم (Lanthanum) هو عنصر كيميائي رمزه La و رقم الذري 57، أما الإيتربيوم (ytterbium) فهو عنصر كيميائي رمزه Yb ورقمه الذري 70، اليوروبيوم (europium) هو عنصر رمزه Eu ورقمه الذري 63.


بدأ تانغ وفريقه في استخدام النموذج الذي تم نشره العام الماضي (وهو عن استخدام عنصر اليوروبيوم داخل بلورات الزركون) وقاموا بتجميع البيانات من بلورات الزركون التي تمت دراستها سابقا من جميع أنحاء العالم ( أكثر من 14000 في المجموع) ورسموا التغيرات الكيميائية بمرور الوقت. 


ما تمت ملاحظته بعد ذلك هو ظهور نمط ملفت للنظر حيث شهدت القشرة الأرضية انخفاضا في سمكها بشكل ثابت في وقت يسمى بالمليار الممل أي بين 1.8 الى 0.8 مليار سنة من الآن.



3- حركة الصفائح البطيئة

تزامن هذا التناقص في سماكة القشرة الأرضية مع اختفاء العديد من العلامات الأخرى لتشكل الجبال القديمة التي سبق تحديدها في السجل الصخري. 


فمثلا تركيبة السترونشيوم المرتبط بمدى تآكل الصخور قد تغيرت كليا، واختفى عنصري الموليبدينوم واليورانيوم من الصخور البحرية، وأصبحت الصخور الغنية بالفوسفور نادرة جدا.


"كل هذه الأمور يمكن تفسيرها كالآتي: كان تآكل الصخور بطيئا جدا وهذا ما يدل على أن القارات كانت قليلة الجبال و منبسطة".


على الرغم من أن السبب الحقيقي وراء هذا التباطؤ في تآكل القشرة الأرضية لا يزال غير مؤكد، لكن تقول دراسة تانغ وزملائه أن التغيير يمكن أن يأتي جزئيًا من تباطؤ في حركة الصفائح التكتونية، فبدون التصادم المستمر بين الصفائح، سوف تتسطح قمم الجبال ببطء مع وتيرة تآكل الصخور بفعل الرياح والمياه.


يقترح العلماء أن تباطؤ حركة الصفائح نتج عن تغييرات في كيفية توزيع الحرارة على سطح الأرض خلال المليار الممل عندما تجمعت القارات بشكل كبير في قارة عظمى واحدة.



4- ما يحدث في وشاح الأرض

بدأت القارة العملاقة المعروفة باسم نونا بالتشكل منذ حوالي 2.1 مليار سنة. 

ثم بعد إعادة ترتيب بسيطة ، تشكلت القارة العملاقة المعروفة باسم رودينيا ، حيث بدأت منذ حوالي 1.2 مليار سنة واستمرت ما يقرب من نصف مليار سنة. 

خلال هذه الفترة شكلت اليابسة غطاءً واحدا غير مكسور تقريبًا على مساحة كبيرة من الكوكب ، محاصرةبذلك الحرارة بعمق داخل وشاح الأرض.


يقترح تانغ أن الحرارة الزائدة تحت القارة العملاقة انتجت أيضًا هدوءًا في الصهارة تحت القشرة المحيطية ، مما أثر بشكل كبير على حركة الصفائح التكتونية. 


فتراكم الحرارة الزائدة تحت القارة العملاقة يمكن أن يضعف الصخور التي تعلوها. مثل هذه الظاهرة من شأنها أن تتسبب في جعل القشرة القارية مسطحة ولا تحتوي على جبال، لأن الصخور الساخنة لا يمكنها تحمل سلاسل الجبال العالية.



5- هل هذه الفترة مملة حقا أم مليئة بالأحداث؟

يقول أندرو سمي ، عالم جيولوجيا الصخور المتحولة في جامعة ولاية بنسلفانيا والذي لم يكن جزءًا من فريق الدراسة ، إن الجمع بين الحرارة الزائدة والقشرة الرقيقة يمكن أن يفسر وجود مجموعة غير عادية من الصخور التي تشكلت أثناء الاصطدامات التي أنتجت رودينيا، إذ يبدو أن هذه الصخور قد تشكلت في درجات حرارة أعلى من المتوقع بالنسبة للعمق لكن وجود قشرة رقيقة وحارة يمكن أن يفسر تشكل هذه الصخور.


على الرغم من أن تانغ يفترض بأن هذه الفترة قد تميزت ببطء حركة الصفائح و ضعف القشرة الأرضية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير لنتعلمه حول شكل كوكبنا خلال المليار الممل. 


لكن هذه الدراسة قد تعيد نظر العلماء حول تسمية هذه الفترة باسم المليار الممل، وتؤكد نقطة أثارها بعض العلماء في الماضي: ربما لم يكن هذا العصر مملاً.



المصدر: ناشيونال جيوغرافيك



تعليقات