القائمة الرئيسية

الصفحات

 كيف نقيس المسافات في الفضاء


كيف نقيس المسافات في الفضاء



في الفيزياء الفلكية، غالبًا ما  نتحدث عن آلاف السنين الضوئية عندما نتطرق الى بعد النجوم. أما بالنسبة للمجرات فإن الأبعاد قد تصل الى ملايين أو حتى مليارات السنين الضوئية. لكن كيف نعرف هذه المسافات؟ فنحن لم نذهب هناك و قمنا بقياسها.


في الواقع، لقياس الأبعاد الفلكية، نعتمد على سلسلة كاملة من الأساليب التي تشكل ما يسمى بمقياس المسافات الكونية. وهذه الأساليب تعتمد على بعضها البعض، حيث يتم تطوير كل طريقة ومعايرتها باستخدام الطريقة السابقة.


في هذا المقال، سنرى معا مختلف الأساليب التي يعتمدها الفلكيون لقياس المسافات في الفضاء. 


1. طريقة اختلاف المنظر

1.1. القياس بالليز

القياس بالليز
credit :flickr.com



لبدء رحلتنا ، سنبدأ بأقرب جسم فلكي في سمائنا: القمر. كيف نعرف المسافة التي تفصلنا عن القمر؟ نستخدم اليوم الليزر لقياس المسافة بيننا و بين القمر. حيث نطلق ليزرًا من الأرض ، ونقيس الوقت الذي يستغرقه الضوء للذهاب ذهابًا وإيابًا. 



هذه الطريقة تعمل بشكل جيد لأن العديد من البعثات الى القمر قد وضعت عاكسات للضوء تسمح لنا بعكس جزء من الضوء الذي يصل إلى سطح القمر. ومن المعلوم لدينا أن سرعة الضوء ثابتة ، ونعرف جيدًا كيفية قياس الوقت عن طريق ساعات دقيقة للغاية. لذلك يمكننا استنتاج المسافة من الأرض إلى القمر بدقة كبيرة جدا.



بهذه الطريقة تمكنا من معرفة أن القمر يبتعد عن الأرض بضعة سنتيمترات في السنة. ويبلغ متوسط ​​المسافة بينه وبين الأرض حوالي 385 ألف كيلومتر. يعد تحديد المدى بالليزر طريقة مباشرة جدًا للقياس ، وبالتالي فهي الطريقة التي نستخدمها اليوم. لكن في السابق لم تكن هذه الطريقة ممكنة.



1.2. الطريقة الهندسية : طريقة اختلاف المنظر أو الإزاحة


الطريقة الهندسية : طريقة اختلاف المنظر أو الإزاحة



في القرن الثاني قبل الميلاد ، حصل الفلكي اليوناني هيبارخوس على نتائج ممتازة بتقنية مختلفة: طريقة اختلاف المنظر أو الإزاحة. تعتمد هذه الطريقة على مبدأ هندسي يمكنك تجربته: 


احمل شيئًا أمامك ، مثل قلم رصاص ، مع خلفية بعيدة بما يكفي خلفه. أغلق عينًا واحدة لجعلها تعمل بشكل أفضل ، وانظر إلى قلمك الرصاص و حرك رأسك يمينا و يسارا قليلا.

إذا وضعت قلم الرصاص في منتصف مجال رؤيتك ، فسيبدو أن الخلفية تتحرك خلفه. وكلما اقترب الجسم الذي في الخلفية من عينك ، زاد التأثير.

وعلى العكس من ذلك إذا كان الجسم بعيدا جدا  سيكون مقدار الإزاحة  أقل. هذا هو تأثير اختلاف المنظر.



وهذه الطريقة تعمل أيضًا إذا استعملنا نجم في الخلفية وراء القمر لقياس بعدنا عن القمر .  لكن عوضا عن تحريك رؤوسنا سنضطر للسفر مئات الكيلو مترات، وذلك لأن مقدار الإزاحة ضعيف جدا بحيث لا يمكن ملاحظته.   و من أماكن مختلفة على الأرض ، لن يكون الموقع الظاهري للقمر بالنسبة للنجوم هو نفسه. ففي نفس الوقت، سنرى منظرين مختلفين قليلا.



يمكن أن نقيس الفرق بين مواقع النجوم في الخلفية بالدرجة، مثل الزاوية. ولكن بمجرد أن تحصل على قيمة هذه الزاوية، سنستعمل ببساطة علم المثلثات.

لكن غالبا ما تكون هذه الزاوية صغيرة جدا، لذلك لكي نكون أكثر دقة، لا بد من تقسيم الدرجة الى 60 جزءا، تسمى دقيقة، و الدقيقة الى 60 ثانية.


لذلك ، من المفترض أن طريقة اختلاف المنظر هذه هي الطريقة التي استخدمها هيباركوس لتقدير المسافة إلى القمر. و قد وجد أن المسافة حوالى 400000 كيلومترا، وهذه نتيجة ممتازة جدا في ذلك الوقت لأن القيمة الحقيقية هي 385000 كيلومتر.



الآن عرفنا كيف تم تقدير المسافة بيننا و بين القمر. لكن كيف عرفنا المسافة التي تفصلنا عن الشمس؟ 

بالنسبة للشمس، ستكون طريقة اختلاف المنظر معقدة لأن الشمس أبعد بكثير من القمر، وأيضا لا يسمح لنا ضوء الشمس برؤية النجوم في الخلفية.



 2. قانون كبلر الثالث (1618)


في علم الفلك ، هناك قانون أساسي بالغ الأهمية يسمى قانون كبلر الثالث. يخبرنا هذا القانون أنه إذا أخذت كوكب معين يدور حول نجم، فهناك علاقة بين المسافة التي تفصله عن النجم ومدة المدار أي المدة التي يستغرقها ليكمل دورة حول نجمه. تحديدا المسافة تكعيب متناسبة مع مربع مدة الدورة. ويعتمد ثابت التناسب فقط على كتلة النجم.


قانون كبلر الثالث


على سبيل المثال، في النظام الشمسي، سنأخذ كوكبي الزهرة و الأرض.

نعلم أن كوكب الزهرة له مدار 220 يومًا ، والأرض 365 يومًا ، لذلك لدينا علاقة بين بعد الشمس عن الزهرة و بعدها عن الأرض. لذا إذا عرفنا المسافة من الشمس إلى كوكب الزهرة ، فيمكننا استنتاج المسافة من الشمس إلى الأرض.

لكننا لا نعلم المسافة بين الشمس و الزهرة !!!

المسافة بين الأرض والشمس  المسافة بين الأرض والشمس



المسافة بين الشمس والزهرة هي المسافة بين الأرض والشمس ناقص المسافة بين الأرض والزهرة. 

إذا عرفنا كيف نقيس المسافة بين الأرض والزهرة ، فسيصبح قانون كبلر معادلة بسيطة بمجهول واحد و يمكننا حلها. لذلك علينا فقط إيجاد المسافة بين الأرض والزهرة.



لقياس أقصر مسافة بين الأرض و الزهرة لا بد أن تكون الزهرة بين الشمس و الأرض. أي وقت عبور الزهرة بين الشمس و الأرض. وسنكون حينها قادرين على استخدام طريقة  اختلاف المنظر.




في القرن الثامن عشر استعمل عالم الفلك الإنجليزي إدموند هالي هذه الطريقة. وصادف بالفعل أن عبور كوكب الزهرة حدث في عام 1761 ومرة ​​أخرى في عام 1769.



وقد أدى هذا الحدث إلى ظهور ما يمكن اعتباره أول تعاون علمي دولي في التاريخ. في ذلك الوقت ، تعاون علماء الفلك الفرنسيون والسويديون والبريطانيون والروس والأمريكيون لمراقبة وقياس عبور كوكب الزهرة من 62 مكانًا مختلفًا مثل سيبيريا ومدغشقر ورأس الرجاء الصالح وفيلادلفيا وتاهيتي...



باستخدام كل هذه القياسات ، قدر عالم الفلك الفرنسي جيروم دو لا لوند المسافة بين الأرض والشمس بحوالي 153 مليون كيلومتر. أي بنسبة خطأ 2 % مقارنة بالقيمة الفعلية.



لم نعد نستخدم هذه الطريقة اليوم. ومنذ الستينيات ، تم قياس المسافة بين الأرض والزهرة مباشرة عن طريق القياس عن بعد، ليس بالليزر ولكن بالرادار. نقيس الوقت قبل تلقي صدى الموجات التي تنعكس على الكوكب ، وهذا يسمح لنا بتقدير بعده عن الأرض ، وبالتالي المسافة بين الأرض والشمس.



تبلغ القيمة المستخدمة حاليًا حوالي 149.6 مليون كيلومتر. بمجرد أن نحصل على هذه القيمة، وبفضل قانون كبلر ، يمكننا استنتاج مسافات جميع الكواكب الأخرى التي تدور حول الشمس.



3. قياس نجوم درب التبانة 


الآن كيف نقدر المسافة التي تفصلنا عن نجوم درب التبانة.

بالنسبة للنجوم ، يمكننا أن نستخدم طريقة اختلاف المنظر مرة أخرى ، مثل هيباركوس مع القمر. إلا أنها أبعد بكثير من الكواكب.


قياس نجوم درب التبانة



لذلك سنحصل على زوايا صغيرة. لكن هناك حل لذلك. ماذا إذا استخدمنا مدار الأرض حول الشمس! لقد رأينا أن ما نقيسه هو زاوية ، وأنه يعتمد على القاعدة التي نختارها لإجراء القياس ، أي المسافة بين نقطتي المراقبة. تحدثنا عن بضع مئات من الكيلومترات ، أو بضعة آلاف إذا تحركت كثيرًا على الأرض. ولكن الآن بعد أن عرفنا المسافة بين الأرض والشمس ، يمكننا استخدام ذلك!



إذا نظرنا الى نفس النجم بعد 6 أشهر ، فسيتغير موقع الأرض ضعف المسافة بين الأرض والشمس ، أي 300 مليون كيلومتر. وبالتالي سيكون قياس الزوايا أسهل بكثير. 



لنأخذ النجم الأقرب إلينا ،القنطور الأقرب أو Proxima Centauri. مع قاعدة طولها 300 مليون كيلومتر ، فإن الزاوية التي سنتحصل عليها هي 0.7 ثانية !!!. 


أذكرك أن الدرجة الواحدة مقسمة إلى 60 دقيقة أو 3600 ثانية ، لذلك نحن هنا لا نتحدث حتى عن جزء من الألف من الدرجة.



مع هذه الزاوية البالغة 0.7 ثانية ، تكون المسافة حوالي 4.2 سنة ضوئية. مع العلم أن اختلاف المنظر يعمل بشكل عكسي ، فكلما كان مقدارالزاوية أضعف ، كان الجسم أبعد.



إذا كانت زاوية اختلاف المنظر تبلغ ثانية واحدة ، فإن النجم سيكون على بعد حوالي 3.26 سنة ضوئية فقط.  وتسمى "فرسخ فلكي". و يستخدمها علماء الفلك في كثير من الأحيان لقياس المسافات.



 إن قياس المنظر باستخدام مدار الأرض كقاعدة ، يمكن إجراؤه من الأرض باستخدام التلسكوبات. وفي عام 1989 ، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية قمرًا صناعيًا يسمى Hipparcos ، حيث يمكنه قياس المنظر بدقة 1 مللي ثانية . تشكل جميع البيانات التي تم جمعها كتالوج Hipparcos ، الذي يحتوي على أكثر من 100000 نجم. 



بعد Hipparcos ، تم إطلاق القمر الصناعي Gaïa في عام 2013، وتم نشر نتائجه تدريجياً على مدار السنوات القليلة الماضية.


يحتوي الكتالوج حاليًا على مليار نجم ، وقياسات اختلاف المنظر بدقة تصل إلى 10 ميكروثانية. كل هذا متاح على الإنترنت.


لذلك فإن طريقة المنظر قوية جدًا ، وهي تعمل لأننا نعرف مدار الأرض ، المسافة بين الأرض والشمس ، والتي حصلنا عليها عن طريق القياس عن بعد.



4. طريقة النجوم المتغيرة أو الCepheids


بالنسبة للأجسام خارج مجرتنا ، لن نستطيع تقدير المسافات باستخدام الطرق الهندسية. بدلاً من ذلك ، سوف نستخدم ما يسمى في علم الفلك "شمعة قياسية".


لفهم هذا ، يجب أن نتحدث عن مفاهيم اللمعان الجوهري واللمعان الظاهري.


4.1. اللمعان الجوهري واللمعان الظاهري.


تخيل مصدر ضوء مألوف ، مثل المصابيح الأمامية للسيارة. إذا رأيت المصابيح الأمامية للسيارة من بعيد ، في الليل ، فإن سطوعها الذي تشاهده (السطوع الظاهري) سيكون أقل بما أن السيارة بعيدة.


نظرًا لأنك تعرف السطوع الحقيقي للمصابيح الأمامية ، فإن سطوعها الظاهري يمنحك فكرة عن بُعد السيارة. لكنها تعمل فقط لأنك تعرف السطوع الحقيقي (أو الجوهري) للمصابيح الأمامية.



إذا رأيت مصدرًا غير معروف للضوء في الليل ، فلا يمكنك أن تعرف مسبقًا ما إذا كان مصدرًا قويًا يقع بعيدًا جدًا ، أو مصدرًا أقل إضاءة يقع في مكان قريب.



هذا بالضبط ما يحدث مع النجوم. فإذا ظهر النجم شديد السطوع ، فقد يكون قريبًا جدًا ، أو قد يكون بعيدا لكن لمعانه قوي جدًا. لذا فإن لمعانه الظاهري لا يخبرنا بأي شيء عن بعد هذا النجم ما لم نعرف ، كما هو الحال مع مصابيح السيارة الأمامية ، لمعانها الجوهري الحقيقي. 



و الجسم الفلكي الذي نعرف لمعانه الجوهري هو ما يسمى "الشمعة القياسية". ومن خلال مقارنة لمعانه الظاهري مع لمعانه الجوهري ، يمكننا استخدامه لتقدير المسافة.

المشكلة هي كيف تجد مثل هذه الأجسام؟


4.2. طريقة قياس المسافات باعتماد النجوم المتغيرة


في بداية القرن العشرين ، قدمت عالمة الفيزياء الفلكية هنريتا ليفيت الحل ، وذلك من خلال عملها في جامعة هارفارد ودراستها للنجوم المتغيرة المسماة Cepheids. وهي نوع من النجوم التي يتغير لمعانها بانتظام مع مرور الوقت.



نحن نعرف بضع مئات من هذه النجوم في مجرة ​​درب التبانة،  وهي نجوم ذات لمعان قوي جدا ، والتي تبلغ كتلتها حوالي 10 أضعاف كتلة الشمس ، وتتراوح دورات تذبذب لمعانها من بضعة أيام إلى بضع عشرات من الأيام.



في عملها البحثي ، لم تكن هنريتا ليفيت مهتمة بالنجوم المتغيرة في مجرة ​​درب التبانة ، ولكن في تلك الموجودة في ما يسمى سحابة ماجلان الكبرى. وهي مجرة ​​قزمة تقع بالقرب من مجرة ​​درب التبانة ، وتعتبر نوعًا من الأقمار لمجرتنا.

يمكن ملاحظتها في كوكبة أبو سيف (في نصف السماء الجنوبي).



لاحظت هنريتا ليفيت أن النجوم المتغيرة الموجودة في هذه المجرة تتبع انتظامًا معينًا. فكلما طالت فترة تذبذب لمعانها ، كلما ظهرت أكثر إشراقًا. ووجدت صيغة تربط بين فترة التذبذب و اللمعان الظاهري.



ونظرًا لأن كل هذه النجوم تقع تقريبًا على مسافات متقاربة منا ، بما انها موجودة في سحابة ماجلان خارج المجرة ، يبدو أن هذا الاختلاف في اللمعان الظاهري يرجع إلى اللمعان الجوهري. كما لو أن قوة هذه النجوم تعتمد فقط على فترة تغير لمعانها أو دورة لمعانها.



وهذا يعني أن النجوم المتغيرة يمكن أن تكون بمثابة شمعة قياسية. إذا عرفنا لمعانها الجوهري ، فمن خلال النظر إلى لمعانها الظاهري، يمكننا أن نستنتج المسافة التي تفصلها عنا.



المشكلة هي أن هذه الطريقة يجب أن تتم معايرتها ، فنحن لا نعرف مسبقًا اللمعان الجوهري للنجوم المتغيرة . نحن نعلم فقط أنه مرتبط بدورة لمعانها.



لكن بفضل تلسكوب هابل الفضائي وكتالوج Gaïa الذي تحدثنا عنه من قبل ، هناك الآن العشرات من النجوم المتغيرة  التي نعرف المسافة التي تفصلها عنا باستخدام طريقة اختلاف المنظر.



لذلك يمكننا حساب لمعانها الجوهري واستخدامها لمعايرة علاقة اللمعان بالدورة في النجوم المتغيرة .و لذلك فباستخدام طريقة اختلاف المنظر، يمكننا معايرة طريقة النجوم المتغيرة.



الميزة هي أنه إذا اقتصرت طريقة اختلاف المنظر على بضع عشرات من السنين الضوئية ، فإن النجوم المتغيرة  تسمح لنا بتقدير مسافات أبعد من ذلك بكثير.

يمكن بالفعل اكتشاف النجوم المتغيرة  في المجرات الواقعة على بعد ملايين أو حتى عشرات الملايين من السنين الضوئية، مثل المجرة M101. لكن رغم ذلك ما زلنا بعيدين جدًا عن حجم الكون المرئي.



5. طريقة المستعرات العظمى أو السوبرنوفا من النوع 1a


السوبرنوفا من النوع 1a




على مسافات أبعد من ذلك ، يصبح من الصعب جدا استخدام طريقة النجوم المتغيرة. لحسن الحظ ، هناك نوع آخر من الشموع القياسية: المستعر الأعظم أو السوبرنوفا.



المستعر الأعظم هو انفجار نجم في نهاية حياته ، مصحوبًا بانبعاث ضوئي ضخم للغاية لدرجة أنه عندما يحدث ، يمكن للمستعر الأعظم أن يبعث ضوءًا أكثر من المجرة بأكملها التي تستضيفه.



هذه الأحداث نادرة للغاية ، وتقريبًا في مجرة ​​معينة تحدث أقل من مرة كل قرن. وهناك عدة أسباب محتملة. ولكن هناك حالة خاصة تسمى المستعر الأعظم من النوع 1a . السيناريو هو نفسه دائمًا: قزم أبيض في مدار حول نجم آخر يسرق المادة منه وينمو حتى يصل إلى حد معين مما يؤدي إلى انفجاره.



تسمح لنا الحسابات النظرية بتقدير أن هذا الحد ، المسمى حد تشاندراسيخار (Chandrasekhar) ، مقداره حوالي 1.4 مرة كتلة الشمس. بمجرد الوصول إلى هذا الحد ، ينهار النجم الى الداخل ثم ينفجر ، ويزداد لمعانه بسرعة كبيرة ثم يتناقص في غضون بضع عشرات من الأيام.



المثير للإهتمام هو أن جميع المستعرات العظمى من النوع 1a تنفجر بنفس الطريقة تقريبًا عندما تصل إلى حد تشاندراسيخار. لذلك لدينا شمعة قياسية جديدة، حيث أن لمعانها الجوهري  هو نفسه دائمًا.



ولكن ككل طريقة جديدة، يتعين علينا معايرة طريقة السوبرنوفا باستخدام الطرق السابقة. أي أننا يجب أن نحدد هذا اللمعان الجوهري باستخدام المستعرات العظمى القريبة بما يكفي لكي نعرف المسافة بالفعل بفضل طريقة أخرى ، مثل طريقة  النجوم المتغيرة.



لحسن الحظ هذا ممكن! على سبيل المثال ، أقرب مستعر أعظم من النوع 1a لاحظناه هو المستعر الأعظم SN 1972E ، وقد حدث على بعد حوالي عشرة ملايين سنة ضوئية منا ، في مجرة ​​يمكننا تقدير بعدها بدقة باستخدام طريقة النجوم المتغيرة.



ونحن نعرف بضع عشرات من المستعرات العظمى من نفس النوع ، وهي قريبة بدرجة كافية للسماح بمعايرة اللمعان بفضل  النجوم المتغيرة.



نظرًا لأن المستعرات العظمى تعتبر من بين أقوى الأحداث الفلكية في الكون ، فإنها ستسمح لنا بقياس مسافة المجرات البعيدة جدًا ، حتى عدة مليارات من السنين الضوئية.



وبفضل هذه الطريقة، سنتمكن من معايرة آخر طريقة لقياس المسافات في الفضاء: قانون هابل.



6. الطريقة الأخيرة: قانون هابل


نعلم أن جميع المجرات تبتعد عن بعضها البعض مع توسع الكون ، وكلما كانت هذه المجرات بعيدة عنا، كلما ابتعدت بشكل أسرع. بتعبير أدق ، فإن سرعة الإبتعاد v تتناسب مع المسافة d.


v =Ho.d


 مع العلم أن ثابت التناسب Ho  يسمى ثابت هابل، تكريمًا للفلكي إدوين هابل (Edwin Hubble) الذي اكتشف هذه العلاقة


6.1. ثابت هابل


تجدر الإشارة أنه في ذلك الوقت ، أصبح  من الممكن تقدير مسافات المجرات القريبة d بفضل عمل هنريتا ليفيت حول النجوم المتغيرة. و بالاعتماد على هذه القياسات، اصبح من الممكن صياغة قانون هابل.


لكن المشكلة تكمن في مقدار ثابت هابل. ففي البداية كانت قيمته كبيرة جدا، حوالي 500 كيلومتر في الثانية لكل ميجا فرسخ (مليون فرسخ فلكي).


 إذا كانت هناك مجرة ​​تقع على بعد 1 ميغا فرسخ فهي تبتعد بسرعة 500 كم / ثانية. عند 2 ميغا فرسخ ، تكون السرعة الضعف. إلخ. مع العلم أن 1 ميجا فرسخ يبلغ حوالي 3 ملايين سنة ضوئية.



تم تصحيح هذه القيمة في ما بعد حيث تبلغ القيمة الحقيقية الآن حوالى 73 كم / ثانية /ميغا فرسخ . لكن كيف تمكنا من تصحيح هذه القيمة؟


لقد أتم إجراء قياسات على العديد من المجرات ، وخاصة على المجرات البعيدة جدًا ، وذلك بفضل طريقة المستعر الأعظم التي عرضناها في السابق.


يمكننا أن نعرف السرعة عن طريق قياس انزياح  الضوء الى الأحمر،  أما المسافة فنعرفها عن طريق المستعرات العظمى.



لذلك حتمًا ، نحن الآن أكثر دقة بكثير مما كان عليه هابل حيث أن أحدث تقدير لثابت هابل هو 73 كم / ثانية / مليون فرسخ.

ومن خلال القيام بذلك، تسمح لنا قياسات المستعر الأعظم بمعايرة ثابت هابل، وهذا يسمح لنا بتقدير المسافات إلى حواف الكون المرئي.


6.2. قياس المسافات بثابت هابل


تخيل على سبيل المثال ، مجرة ​​بعيدة جدًا. نظرًا لأن بعدها مرتبط بسرعتها، فيكفي قياس هذه السرعة.

وبفضل ظاهرة الانزياح الأحمر من خلال مراقبة الأطوال الموجية المنبعثة ، يمكننا استنتاج سرعة ابتعاد الأجسام ، حتى بالنسبة للأجسام البعيدة جدًا.



هذه هي الطريقة التي تمكنا بها من قياس المسافة من أبعد مجرة ​​معروفة حتى الآن ، والتي تسمى GN-z11. انبعث الضوء الذي نلاحظه من هذه المجرة منذ 13.4 مليار سنة ، أو 400 مليون سنة فقط بعد الانفجار العظيم. هذا الضوء الذي نلتقطه اليوم قد قطع 13.4 مليار سنة ضوئية قبل أن يصل إلينا.



يمكنك القول أن المجرة تبعد 13.4 مليار سنة ضوئية. ولكن بسبب توسع الكون ، نعلم أن هذه المجرة بعيدة الآن، على مسافة حوالي 32 مليار سنة ضوئية.

تعليقات

التنقل السريع