ما لا تعرفه عن الأرض | التغييرات التي مرت بها الأرض منذ نشأتها الى اليوم

ما لا تعرفه عن الأرض | التغييرات التي مرت بها الأرض منذ نشأتها الى اليوم

لكي نسترخي و نبتعد عن هموم الحياة، ليس بالضرورة أن نتخيل عوالم موازية أو أن نخرج من الأرض. 

يكفي أن نجلس في أي مكان على الأرض ونتساءل فقط: كيف كان هذا المكان قبل سنة، سنتين، قبل ألف سنة، قبل مليون سنة... 

لكي نبدأ هذه السفرة الزمنية، ولكي نستخرج كل المشاهد العالقة في الزمن السحيق لابد أن نبدأ باللحظات الأولى بعد نشأة الأرض ثم نمر عبر مختلف العصور والأزمنة وصولا الى العصر الحالي، فلنبدأ.

1. حقب الHadean (قبل 4.53 مليار سنة)

إنها اللحظات الأولى بعد تشكل الأرض، أرض لا تشبه الأرض التي نعرفها، إنها كرة من الصخور المنصهرة، بحر كبير ووحيد من الحمم بعمق آلاف الكيلومترات. 

لا يوجد قمر في السماء فهو لم يتشكل بعد، لكن قريبا ستصطدم الأرض بجسم فضائي بحجم المريخ قبل 4.45 مليار سنة في مشهد جهنمي.

تنصهر الأرض الأولية مع هذا الجسم الذي اصطدم بها وتندمج معه، أما الشظايا المطايرة من الإصطدام فتكوّن حلقة حول الأرض الجديدة مثل حلقات زحل ثم ما تلبث أن تتجمع مكونة القمر في مكان أقرب من الأرض بعشرين مرة من القمر اليوم. 

هذا الإصطدام  جعل الأرض تدور بشكل أسرع مما جعل الشمس تغرب 4 مرات في ال24 ساعة.

مرت على الإصطدام حوالى 100 مليون سنة، الغازات المنبعثة من الحمم البركانية كوّنت غلافا جويا ساخنا و كثيفا، عند رؤية الأرض من الفضاء في هذا الوقت، نرى كرة داكنة ومعتمة بسبب غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت وبخار الماء. 

على السطح، قوة المد والجزر الكبيرة التي يسببها القمر القريب تتسبب يوميا في تصدع القشرة المتكونة حديثا.

سيبدأ الآن الماء السائل في التكاثف على مدى ملايين السنين رغم درجة الحرارة العالية القريبة من 300 درجة مئوية فالضغط الهائل للغلاف الجوي على سطح الأرض (حوالى 200 Bar) يجعل الماء السائل يتشكل رغم درجة الحرارة العالية. 

تحت سماء كثيفة من الغازات بدأت أولى المحيطات في التشكل، هذه المحيطات غير عميقة و درجة حرارتها قريبة من درجة الغليان.

قبل 4.1 مليار سنة، انهار على الأرض وابل من النيازك و الأجسام الفضائية وحطام الكواكب، استمر سقوط النيازك الكثيف حوالى 200 مليون سنة، وجلب معه كميات كبيرة من الماء العالق في النيازك والمذنبات. 

بعض هذه النيازك ضربت القمر أيضا مخلفة آثارا مازلنا نشاهدها إلى اليوم على سطحه.

2. حقب العصر الأرشي: Archean (قبل 4 مليارات سنة)

أصبح سطح الأرض في معظمه يتكون من الصخور القاسية باستثناء بعض البراكين. 

أما الغلاف الجوي فمازال غنيا بغازات الميثان والنشادر مما جعل المناظر الطبيعية في هذا الوقت تكتسي لونا برتقاليا باهتا. أصبح اليوم يدوم 17 ساعة تقريبا أما متوسط درجة حرارة السطح فيتغير بين 40 و 85 درجة مئوية.

يتميز كوكبنا في هذه الفترة بوجود رياح وعواصف قوية تجتاح الكوكب بأكمله، لمدة ملايين من السنين، لم تتوقف أعاصير العالم القديم العملاقة بفعل الدوران السريع للأرض حول نفسها. 

الغباروالضباب الكثيف والأمطار مازالت السمة الكبرى للغلاف الجوي في هذه الحقبة مما جعل ضوء الشمس لا يصل معظمه لسطح الأرض. عندما ننظر من الفضاء للأرض في هذا الوقت، نرى الأرض أشبه بكرة من القطن. 

تكوّن الآن محيط واحد عملاق على سطح الأرض، مزروعا بكثير من القارات البدائية في شكل جزر بركانية صغيرة.

أما القمر فأصبح أبعد قليلا عما كان عليه في الحقبة الماضية، لم يعد يؤثر المد و الجزر على صخور القشرة الأرضية لكنه يؤثر بشكل كبير على المحيط، إذ أن مدى المد والجزر في هذه الفترة قد يغير مستوى سطح الماء يوميا بمقدار يصل إلى مئات الأمتار.

هذا المحيط في بداية العصر الأرشي غني بالمعادن المتحللة وهذا ما يجعل لونه يميل إلى الأحمر الأرجواني. في هذا المكان قبل 3.8 مليار سنة ظهرت أولى اشكال الحياة على الأرض. 

إذ وجد العلماء في التكوينات الجيولوجية التي يعود عمرها الى هذه الفترة آثارا لنوع من الكائنات وحيدة الخلية تسمى ب Archaea التي تتغذى على معدن الحديد المتحلل في مياه هذا المحيط.

قبل 3 الى 2.5 مليار سنة، اكتسى هذا المحيط بلون برتقالي قريب من لون الصدأ، إذ أن الأكسيجين الذي أنتجته بعض الكائنات الدقيقة عن طريق التركيب الضوئي تفاعل مع ذرات الحديد في مياه المحيط وعلى الشواطئ مما أدى الى ترسب الحديد المؤكسد. 

تواصلت عمليات التركيب الضوئي لعدة ملايين من السنين مما جعل المحيط و الغلاف الجوي يصبحا غنيين بالأكسيجين.

3. حقب البروتيروزوي: Proterozoic أو عصر الحياة الأولية

قبل 2.4 الى 2.1 مليار سنة بدأ العصر الجليدي الأول للأرض، تحول كوكبنا الى كرة كبيرة من الثلج، إنها فترة التجلد الهوروني (Huronian Glaciation)، و يعتبر هذا العصر الجليدي الأعنف و الأطول في تاريخ الأرض إذ امتد عمره إلى حوالى 300 مليون سنة، ومازال سبب ذوبان الجليد مجهولا إلى اليوم، وقد تكون البراكين هي السبب الأول في إعادة شحن الغلاف الجوي بالغازات المسببة للإنحباس الحراري.

بعد 600 مليون سنة من هذا العصر الجليدي، أي قبل 1.5 مليار سنة، بدأت أولى القارات في التشكل، تشكلت قارة (فالبارا) Vaalbara ثم (أور) Ur ثم كينورلاند (Kenorland) ثم نونا (Nuna) ثم نينا (Nina) ثم (رودينيا) Rodinia. 

هذه الأخيرة بدأت في التصدع والإنقسام بفعل قوة الحمم التي تتحرك في وشاح الأرض. الحياة على السطح مازالت منعدمة، أما المحيط فيحتوي على بعض الكائنات وحيدة الخلية. 

تتشكل الجبال خلال ملايين السنين، ثم تبدأ في الانجراف و الإضمحلال بفعل عوامل التعرية المائية والهوائية، كمية الأكسيجين مازالت تزداد في الغلاف الجوي والغازات المسببة للدفء تتناقص بفعل التفاعلات الكيميائية مع الأكسيجين في الجو. 

إلى أن حل العصر الجليدي الثاني...

قبل 720 مليون سنة بدأ العصر الجليدي الثاني للأرض، تحول الكوكب مجددا إلى كرة من الثلج في ما يعرف بتجلد الكريوجينيك (Cryogenic Glaciation)، إذ امتد الجليد القطبي و توسع إلى أن تمكن من تغطية كامل سطح الأرض تقريبا، ووصل سمكه في بعض المناطق إلى عدة كيلومترات. 

إمتدت فترة العصر الجليدي هذه إلى حوالي 85 مليون سنة.

4. حقب الحياة القديمة Paleozoic

4.1 العصر الكمبري

بدأ العصر الكمبري قبل 541 مليون سنة. مازالت سرعة دوران الأرض حول نفسها تتناقص شيئا فشيئا، أصبح اليوم الواحد مساو ل20 ساعة ونصف. 

بدأ حجم الكتل القارية في الإستقرار، نستطيع الآن أن نتخيل شكل القارات في هذا الزمن. 

أما أشكال الحياة فهي منعدمة تقريبا على اليابسة، لا نباتات ولا فطريات ولا حيوانات، لا أثر للحياة، مازالت اليابسة شبيهة بصحراء قاحلة. 

كل أشكال الحياة مازالت تحت سطح الماء،  فبالإضافة الى البكتيريا، يوجد هنا العديد من الكائنات متعددة الخلايا، مثل الطحالب الخضراء و بعض الحيوانات الصدفية والمفصليات التي لا يفوق حجمها ال30 صنتيمتر. 

4.2 العصر الأردوفيشي والسيلوري

مرت 60 مليون سنة على بداية العصر الكمبري، نحن الآن في العصر الأردوفيشي. 

شكل الأرض مختلف عما نعرفه اليوم، فنصف الأرض الشمالي لا يحتوي على اليابسة اطلاقا، بل يتكون من محيط واحد واسع يسمى بانتالاسا (Panthalassa). 

أما قارات العصر الأردوفيشي فهي متجمعة في قارة وحيدة عظمى تسمى غوندوانا (Gondwana) والتي نشأت عبر تفكك القارة القديمة رودينيا، إضافة إلى بعض الجزر المنفصلة عن غوندوانا والتي ستشكل في ما بعد قارة اوراسيا. 

درجة حرارة الأرض مرتفعة نسبيا في هذا الزمن، فمتوسط الحرارة قد يصل إلى 45 درجة مئوية وذلك بفعل تزايد انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو بفعل البراكين. 

في أواسط العصر الأردوفيشي، بدأت أخيرا الحياة - وتحديدا بعض الطحالب الخضراء- في الخروج من البحار و الاستقرار تدريجيا على الشواطئ، أما داخل المياه الضحلة فتكونت الكثير من الشعب المرجانية الواسعة والتي تؤوي بداخلها العديد من انواع الرخويات والمفصليات والأسماك.

في أواخر العصر الأردوفيشي، إمتد الغطاء الجليدي للقطب الجنوبي على اليابسة في عصر جليدي مما تسبب في انحسار مياه المحيط وموت العديد من الكائنات البحرية في انقراض نهاية العصر الأردوفيشي. لتعرف أكثر عن حدث الإنقراض العظيم هذا أنقر هنا.

بعد مرور 20 مليون سنة عن بداية هذا العصر الجليدي، استرجعت الأرض عافيتها و ذابت جميع الثلوج الممتدة، ارتفع مستوى البحار بمقدار 300 متر. 

على سطح الأرض، بدأت الطحالب في الإنتشار على السطح شيئا فشيئا، انتشرت بعض النباتات الصغيرة على جوانب الأودية والأنهار. أما الحيوانات التي ستبدأ قريبا في غزو اليابسة فتتمثل في بعض القشريات ثم تليها بعض البرمائيات البدائية.

4.3 العصر الديفوني والكربوني

في أواخر العصر الديفوني، أي قبل 360 مليون سنة تقريبا، انتشرت النباتات داخل القارة القديمة غوندوانا، فلا توجد حيوانات عاشبة تهدد وجودها. 

وفي العصر الكربوني، قبل 340 مليون سنة، كونت هذه النباتات أنظمة جذرية و غطت كامل سطح اليابسة تقريبا وأصبحت الأرض تعج بغابات المستنقعات الشاسعة التي تمتلئ شيئا فشيئا بالنباتات الميتة داخل مياه المستنقعات، ولا يوجد بعد على سطح الأرض أي كائن او بكتيريا قادرة على تفكيك هذه النباتات الميتة، ارتفعت كمية الأكسيجين في الجو ارتفاعا مهولا ووصلت نسبته إلى حوالى 40 %، وأصبحت هذه الغابات مكانا تنمو فيه الحشرات العملاقة.

4.4 العصر البرمي

شهدت الأرض في العصر البرمي، قبل 300 مليون سنة تقريبا، تكوّن القارة العظمى بانجيا، فعند خط الإستواء، بدأت أوراسيا و غوندوانا في الأصطدام مكونتين سلسلة جبلية تعرف اليوم بالسلسلة الهرسينية (Hercynian)، وبفعل التعرية والتآكل على مدى ملايين السنين اضمحلت هذه الجبال وأوشكت على الإختفاء، لكن لا تزال اليوم بعض من أثر هذه الجبال في مرتفعات جبال الأبلاش في امريكا الشمالية و مرتفعات غرب فرنسا وجنوب انقلترا وجبال الأورال...

استمرت الحياة في التنوع داخل البحار والمحيطات إلى أن حل انقراض نهاية العصر البرمي. 

ففي شمال قارة بانجيا، في سبيريا و جزء من الصين اليوم، بدأت انفجارات بركانية كبيرة امتدت حوالى 500 ألف سنة دون توقف و أخرجت حمما امتدت على مساحة قربية من مساحة اوروبا و بسمك يصل إلى عدة كيلومترات. 

إمتلأ الغلاف الجوي بالرماد البركاني الكثيف و ثاني أكسيد الكبريت مما جعل مياه الأمطار غنية بالحمض الكبريتي، إرتفعت حرارة الكوكب لتصل الى 40 درجة، فتبخرت مياه الأمطار وأصبح سطح الأرض صحراء قاحلة. 

عند انتهاء انقراض العصر البرمي، 70% من الحياة على اليابسة و 95% من الحياة البحرية اختفت بالكامل من على الكوكب.

 

5. حقب الحياة الوسيطة Mesozoic

5.1 العصر الترياسي والجوراسي

مع بداية العصر الترياسي بدأت قارة بانجيا في الإنقسام  إلى كتلتين قاريتين واستمر هذا الإنقسام إلى أواسط العصر الجوراسي، و أصبحت المرتفعات الجبلية الهرسينية أقل علوا من السابق. 

أما في وسط قارة بانجيا، جنوب المرتفعات الهرسينية، فامتدت سهول صحراوية واسعة. 

مرت الآن عشرون مليون سنة على بداية العصر الترياسي، نحن الآن في أواسط العصر الترياسي، أصبح القمر أبعد بقليل عما كان عليه في حقب الحياة القديمة، طول اليوم أصبح قريبا من 22 ساعة. 

إمتدت الغابات المتكونة من الأشجار اللا زهرية و السرخس على كامل سطح الأرض  مجددا، مكونة غطاءا نباتيا كثيفا.

نوع جديد من الحيوانات العملاقة التي لم تشهده الأرض من قبل استوطن الآن غابات العصر الجوراسي، انها الديناصورات.

5.2 العصر الطباشيري

استمرت غابات العصر الجوراسي في الإنتشار و التوسع على مدى 50 مليون سنة وظهرت خلال هذه الفترة النباتات الورقية و الحشرات و الطيور ، إننا الآن في العصر الطباشيري المتأخر. ارتفعت دراجة حرارة الأرض  في هذه الفترة لتصل لذروتها، فقد أدى ذوبان الجليد القطبي إلى ارتفاع مستوى البحار لتغمر ثلث اليابسة تقريبا. 

استمرت الحياة في التنوع خلال فترة العصر الطباشيري الى أن حل انقراض نهاية العصر الطباشيري. واختفت تقريبا 75% من أنواع الكائنات الحية على الأرض.

6. حقب الحياة الحديثة Cenozoic

تتميز هذه الفترة بظهور الثدييات العملاقة والمفترسات رباعية القوائم الشبيهة بالأسود. أصبح شكل العالم قريبا من شكله الحالي. أما الحياة البحرية فبدأت تشهد ظهور الحيتان و الأسماك الحديثة. 

قبل 6 ملايين سنة، شهد حوض البحر المتوسط انخفاضا وتبخرا ملحوضا في منسوب مياهه وأصبح قاع البحر شبيها بصحراء من الجبس والأملاح، فبفعل تحرك الصفيحة الإفريقية والأوراسية باتجاه بعضهما، إنغلق مضيق جبل طارق وانعدم دخول المياه من المحيط الأطلنطي باتجاه البحر المتوسط. 

إنه حدث يسميه العلماء اليوم بأزمة الملوحة المسّينية. إستمرجفاف قاع البحر المتوسط عدة مئات الآلاف من السنين إلى أن حدث زلزال ضخم غرب المتوسط وأعاد فتح مضيق جبل طارق.

بعد عدة ملايين من السنين ظهر البشر على الأرض واستوطنوا إفريقيا ثم بدأوا في الإنتشار على كامل سطح الأرض. وهنا قصة أخرى.

تنويه : في هذا المقال عرضنا أهم الأحداث التي مرت بها الأرض ولكن تحدثنا عنها بإيجاز شديد و تجاهلنا بعض الأحداث ذات الأهمية الأقل. لمعرفة المزيد انتظرونا في مقالات قادمة

المصادر من هنا