القائمة الرئيسية

الصفحات

تاريخ الكهرباء - الجزء الثالث : عصر التكنولوجيا

الكهرباء، منصة الثورات

تاريخ الكهرباء 3




1. القرن التاسع عشر

 1.1. معادلات ماكسويل: الموجات الكهرومغناطيسية

الموجات الكهرومغناطيسية


خلال منتصف القرن التاسع عشر تم تطوير نظرية تقول أن كل شحنة يحيط بها حقل من القوة. لكن النظرية التي تقول بأن تدفق الكهرباء يَنتج عنه حقل خفي كان  مايكل فاراداي هو أول من وضعها.

 

لكن الأمر تطلب شابا عبقريا أسكتلنديا يدعى "جيمس ماكسويل" ليثبت صحة نظرية فاراداي وليس هذه المرة من خلال التجارب بل من خلال الرياضيات فاعتُبرت تلك الخطوة صيحة كبيرة بالقرن التاسع عشر في فهمنا للعالم والذي بدأ يظهر كآلة ضخمة. و تعد معادلات ماكسويل الأربعة إحدي أهم المعادلات في تاريخ العلم (انقر على هذا المقال لتعرف أكثر).

كان ماكسويل عالم رياضيات متميزا ولقد نظر إلى الكهرباء والمغناطيسية بطريقة فريدة. لقد عبر عن علاقتهما في معادلات محكمة ودقيقة والشيء الأكثر أهمية أنه في معادلات ماكسويل يوجد فهم للكهربائية والمغناطيسية على أنهما كيان واحد و منتج لحقل قوة يسمى بالحقل الكهرومغناطيسي.


أظهرت حسابات ماكسويل أن هذه المجالات أو الحقول تنتشر كما لو أنك لمست سطح الماء بإصبعك. والتغيير في اتجاه التيار الكهربائي سوف ينتج نوعا من الموجات خلال هذه المجالات الكهربائية والمغناطيسية.

 وبالتالي فإن تغير اتجاه تدفق التيار الكهربائي للأمام وللخلف كما في حالة التيار المتردد سوف ينتج سلسلة كاملة من الموجات تكون حاملة للطاقة.


 كانت معادلات ماكسويل تثبت أن التغير في اتجاه التيار الكهربائي سوف يتناسب معه مباشرة إرسال مستمر لموجات من الطاقة حول محيطها. موجات سوف تستمر للأبد ما لم يمتصها شيء ما.



1.2. إكتشاف موجات ماكسويل


إكتشاف موجات ماكسويل


ألهمت معادلات ماكسويل شابا ألمانيا يدعى "هاينرك هيرتز" حيث قرر أن يكرس وقته لإجراء تجارب تثبت صحة معادلات ماكسويل بشأن الموجات.

 حيث صنع آلة بسيطة تولد تيارا مترددا يسري عبر أقطاب معدنية مع شرارة تقفز بين كرتين معدنيتين ثم بنى حلقة من السلك كمستقبل تاركا فجوة صغيرة بها حيث تقفز الشرارة إذا مر أي تيار.


إذا ما كان ماكسويل على صواب فسوف ينتج التيار المتردد موجات كهرومغناطيسية خفية تنتشر في المحيط.

وإذا تم وضع الحلقة في طريق هذه الموجات فإنها ستتأثر بالمجال الكهرومغناطيسي والذي سيحث تيارا كهربائيا على المرور بالسلك. 


لذلك أمضى هيرتز معظم سنة 1887 بغرفة  مظلمة يحدق بعدسته محاولا كشف وجود أيا من الشرارات الخافتة فبما أن قيمة التيار ضعيفة جدا فإن الشرارة ستكون خافتة جدا. لكن هيرتز لم يكن الوحيد الذي يعمل على كشف موجات ماكسويل.



رجوعا إلى أنجلترا، كان البروفيسور الفيزيائي الشاب أوليفر لودج معجبا وشغوفا بالأمر  منذ سنوات لكنه لم يملك وقتا لتصميم أية تجارب ليحاول إثبات النظرية.

 وفي أحد الايام سنة 1888 حينما كان يقوم بتجربة على الحماية من البرق لاحظ شيئا غريبا فبإرساله تيارا مترددا حول الأسلاك إستطاع رؤية وهج بين الأسلاك وفي حالة من الإضطراب رأى أن هذا الوهج يحدث نمطا. 

كانت هذه الشرارات  الكهربائية ذات الوهج الأزرق تضيء بوضوح في مساحات بين الأسلاك المتباعدة. أدرك أن ذلك كان بفعل قمم وقيعان موجات. كانت تلك هي موجات ماكسويل الكهرومغناطيسية وبذلك أثبت لودج أن ماكسويل كان محقا.


أعد لودج نفسه ليعلن عن كتشافه للعالم في الإجتماع الصيفي العلمي السنوي الذي تقيمه الجمعية البريطانية. ولكن قبل ذلك الحدث قرر الذهاب في إجازة وقد كان ذلك التوقيت الأسوأ بالنسبة له لأنه في المانيا.

وفي نفس التوقيت تماما كان هيرتز هو الآخر يجري تجاربه على نظريات ماكسويل وفي النهاية وجد هيرتز ما كان يبحث عنه. إنها تلك الشرارة الخافتة. فبينما يتنقل بالمستقبل في مواضع الغرفة المختلفة إستطاع رصد الموجات التي أنتجتها معداته وقد فحص كل معادلات ماكسويل بحرص وقام باختبارها معمليا.


رجوعا إلى بريطانيا، حيث تجمعت الحشود باجتماع الجمعية البريطانية عاد أولفر لودج من رحلته مستريحا وممتلئا بالحماس. إعتقد حينها أنها ستكون لحظة انتصاره لكن فوجئ عندما أعلن هيرتز عن اكتشافه. فبدا الأمر وكأن إنجازه قد سرق منه.


إكتشاف هيرتز للموجات الكهرومغناطيسية هو ما ندعوه اليوم بالموجات الراديوية. بالرغم من عدم معرفته حينها إلا أن ذلك سوف يؤدي إلى ثورة كاملة في علم الإتصالات على مدى القرن التالي. 


كشفت نظرية ماكسويل أن الشحنات الكهربائية تخلق حقل قوة حولها وأن الموجات تنتشر عبر هذا الحقل كحال الموجات الميكانيكية في الماء وقد صنع هيرتز جهازا يستطيع كشف وقياس هذه الموجات عبر الهواء.


لكن وبنفس الوقت تقريبا كان هناك اكتشاف آخر في فهمنا للكهرباء. إكتشاف سيعيد البروفيسور أوليفر لودج مجددا إلى الصورة. ومرة أخرى سيتم سرقة اكتشافه.




1.3. النموذج الأول للاسلكي


في صيف عام 1894، أقام لودج محاضرة تذكارية مع اكتشاف جديد سيروج لفكرة الموجات لأعداد أكبر من الجماهير. 


كان قد بحث عن أفضل الطرق في اكتشاف الموجات وقد اقترض بعض المعدات من أصدقائه وقام بتطوير بعض التقنيات المدهشة في كشف تلك الموجات. 

قام بابتكار جهاز يولد تيارا مترددا يطلق شرارة عبر هذه فجوة. يصدر التيار المتردد موجات كهرومغناطيسية ومن ثم يتم استقبالها فيحث هذا تيارا ضعيفا جدا عبر هوائي. 


وإلى الآن، هذا ما فعله هيرتز لكن ما أضافه لودج على هذا هو صنع أنابيب محشوة ببرادة الحديد وعندما يمر التيار الضعيف الذي تكوّن عن طريق الموجة الكهرومغناطيسية عبر ذلك الحشو، سيجبره على التكتل، وهذا يغلق دائرة كهربائية أخرى ليطلق بذلك رنين الجرس. 


لذا عند الضغط على الزر في الناحية الأولى يطلق الجرس عند المستقبل في الناحية الأخرى وهذا بالطبع يحدث دون اتصال مباشر بين الدائرتين. لقد كان أشبه شيء بالسحر.


لم تكن المعدات التي جهزها لودج حينها تجربة معملية بحتة بل كانت في الحقيقة بمثابة آلة تيلغراف تعمل لاسلكيا دون تواجد كابلات طويلة تمتد بين المرسل والمستقبل.


 لم تكن تجربة لودج بالنسبة للبعض إثباتا واضحا لصحة نظريات ماكسويل بقدر كونها عملا ثوريا في الإتصالات.




2. القرن العشرين

2.1. الإتصال الاسلكي: ثورة في عالم الإتصالات


الإتصال الاسلكي: ثورة في عالم الإتصالات


كان هناك شخصان قد أعجبا بشدة بعمل لودج، وكلاهما سيساهم في ما بعد في تطوير التيلغراف اللاسلكي وكلاهما ستخلّد إسهاماتهما العلمية أكثر من أوليفر لودج نفسه. 


فأولهما "جوليايمو ماركوني" الذي لم يكن عالما لكنه قرأ كل أعمال العلماء وجمعها من أجل صناعة نظام التلغراف اللاسلكي الخاص به. وقد أتى إلى لندن من إيطاليا بعمر الثانية والعشرين مع أمه الآيرلندية ليسوق لمشروعه.



أما الشخص الآخر الذي أعجب بمحاضرة لودج فقد كان مدرسا هنديا في الجامعة الرئاسية "بكالكوتا" يدعى "جاجاديش تشاندرا بوس". لقد طور هذا الأخير  من اختراع لودج. وذلك لأنه وفي مناخ الهند الرطب وجد أن برادة الحديد داخل الأنبوبة التي استخدمها لودج قد صدأت والتصقت ببعضها. لذا قرر بوس بناء كاشف جديد باستخدام ملف من الأسلاك.


كان بوس عالما أكاديميا ولم يكن مهتما باالقيمة التجارية للتواصل اللاسلكي على عكس ماركوني.

أما ماركوني فلم يكن عالما لذا كان يعمل بطريقة مختلفة وقد كان جيدا في صناعة الروابط مع الناس الذين احتاجهم ليتمكن من إتمام عمله.

إستخدم ماركوني تواصله مع الناس ليتمكن من الذهاب مباشرة إلى  مكتب البريد البريطاني ليعرض مشروعه. 

وقد أدرك على الفور مديرُ مكتب البريد آنذاك "ويليام بريس" أهمية هذه التقنية لذا عرض على ماركوني مصادر التمويل والهندسة المطلوبة من مكتب البريد. 

بذلك بدأ ماركوني مع مهندسي مكتب البريد إرسال واستقبال الموجات الكهرومغناطيسية. ساعده المهندسون على تطوير معداته ثم قام ماركوني وبريس بالكشف عنها لأصحاب السلطة بالحكومة.


 ما لم يدركه بريس أنه عندما كان فخورا بنجاح شراكة مكتب البريد مع ماركوني، كان لدى هذا الأخير خطط أخرى. لقد قدم براءة اختراع بريطانية على كل مجالات التيلغراف اللاسلكي وكان يخطط لبناء شركة خاصة به.


حينما حصل أخيرا على براءة الإختراع فتح ماركوني صندوقه الذي يحتوي الجهاز الذي اخترعه بشكل رسمي. كان الجميع شغوفا لرؤية الإختراع الجديد بالمعدات. فكانت بطاريات تغذي الدوائر، وقطع حديدية داخل الصندوق لإكمال الدائرة الكهربائية ليرن الجرس. 



2.2. إكتشاف أشباه الموصلات

إكتشاف أشباه الموصلات

إكتشف بوس أثناء عمله حول تطوير مستقبل للموجات الكهرومغناطيسية  أنه عندما تتلامس بعض البلورات مع المعادن لقياس كفاءة توصيلها الكهربائي فإنها تظهر إلى حد ما سلوكا غريبا وغير منتظم. 

فعند تلامس طرف سلك معدني مع بقعة معينة بالبلورة ثم يتم وصله بالبطارية فإنها تعطي قيمة تيار معين لكن عند عكس التوصيلات بالبطارية ومحاولة إمرار التيار في الجهة المعاكسة ستكون قيمة التيار أقل بكثير.


هي إذا ليست مادة موصلة بالكامل للتيار بل شبه موصل وقد استخدمت للمرة الأولى في الكشف عن الموجات الكهرومغناطيسية جينما استخدم بوس هذه البلورات بالدوائر الكهربائية بدلا من أنابيب برادة الحديد فقد وجد أنها أكثر فعالية وكفاءة في الكشف عن الموجات الكهرومغناطيسية. 


كان لهذه الوصلة الغريبة دور مهم في إمكانية استخراج الإشارة من الموجات الكهرومغناطيسية. 


في ذلك الوقت لم يعلم أحد لماذا تتصرف البلورات بهذه الطريقة لكن بالنسبة للعلماء والمهندسين فإن هذا السلوك الغريب له آثار علمية مفيدة.


براءة الإختراع الوحيدة التي أراد لودج تأمينها لاستخدام أسلوبه في استقبال الإشارات الرادياوية تم بيعها لشركة ماركوني القوية.


ولربما كانت أسوأ لحضات لودج حين يأتي عام 1909 ويحصل ماركوني على جائزة نوبل في الفيزياء للإتصالات الاسلكية.



2.3. فهم كيفية تدفق الكهرباء

فهم كيفية تدفق الكهرباء

في خمسينات القرن التاسع عشر، كان أحد أعظم العقول الالمانية المجرية والموهوب في مجال الزجاج "هاينريك جايسلر" قد صنع تحفا رائعة، إذ فرغ معظم الهواء من أنابيب زجاجية مختلفة الأشكال ثم وضع كميات صغيرة من غازات أخرى بداخلها ثم مرر تيارا كهربائيا عبرها فأضاءت بألوان مبهرة.



بالرغم من أنها صممت لمجرد التسلية فعلى مدار الخمسين عاما القادمة، رأى العلماء أن أنابيب جايسلر كانت فرصة لدراسة كيفية تدفق الكهرباء. فبُذلت الجهود لتفريغ أكبر قدر ممكن من الهواء خارج الأنابيب للنظر في إمكانية مرور التيار عبر الاشيء أي عبر الفراغ.



قام العالم البريطاني "ويليام كروكس" بتفريغ كاف للهواء للإجابة على هذا السؤال إذ صنع أنابيب وفرغ معظم الهواء منها قدر استطاعته فيما اقترب من الفراغ الكامل. ثم قام بإفراغ تيار كهربائي خلال الأنبوبة فلاحظ وهجا مشرقا في نهايتها، شعاع مضيء خلال الأنبوبة يصدم زجاجة الأنبوبة عند الطرف الآخر.



بدا أخيرا كما لو أننا نرى الكهرباء بأعيننا. عُرفت تلك الأشعة بأشعة الكاثود وكان ذلك مقدمة لأنبوب أشعة الكاثود والذي استخدم في ما بعد في أجهزة التلفاز لعقود.



2.4. إختراع الصمامات

إختراع الصمامات


إكتشف الفيزيائي "تومسون" أن أشعة الكاثود تتكون من جسيمات سالبة الشحنة وبما أنها حاملة للتيار الكهربائي فقد سميت بالإلكترونات. 


ولأن هذه الإلكترونات تتحرك في اتجاه واحد فقط، من السطح المعدني الساخن إلى السطح موجب الشحنة عند الطرف الآخر فإنها بذلك تتصرف مثل البلورات شبه الموصلة التي اكتشفها بوس. 


لكن بينما كان للبلورات حساسيتها الطبيعية، فإن هذه الأنابيب تضبط صناعيا وسميت هذه الأنابيب بالصمامات. وسريعا ما حلت محل البلورات في كل أجهزة الراديو بكل مكان.


ستقود هذه الإكتشافات إلى ظهور تقنيات جديدة.

الصمامات


إن عالم الإلكترونيات الحديث للقرن العشرين يتمركز بالكامل حول مايمكننا فعله بالصمامات. لذا فصناعات الراديو تقوم على الصمامات وكذلك أجهزة التلفاز الأولى وحتى أجهزة الحواسيب الأولية. ذلك ما بُني عليه العالم الإلكتروني في البداية.



باكتشاف كيفية التحكم بمرور الإلكترونات عبر الفراغ أصبح العلماء شغوفين بفهم كيفية تدفقها بالمواد الأخرى وقد سمح هذا أيضا بفهم الأشياء التي بنيت منها المواد نفسها وهي الذرات.



2.5. إكتشاف المكونات الرئيسية للذرة

إكتشاف المكونات الرئيسية للذرة


في بدايات القرن لعشرين تمكنا من معرفة مما تتكون المواد وكذلك كيف تتصرف الكهرباء على المستوى الذري.

ففي جامعة مانشيستر كان فريق "ارنست ريذرفورد" يدرس البنية الداخلية للذرة ويرسم صورة لوصفها وهذا الكشف سيوضح أخيرا بعض أهم الخصائص المحيرة للكهرباء.


بحلول عام 1913 كانت صورة الذرة المعروفة نواة موجبة الشحنة محاطة بإلكترونات سالبة الشحنة تدور حولها في أنماط تسمى المدارات وكل مدار متاح له استيعاب عدد من الإلكترونات كل منها ذو طاقة معينة.


وبإعطاء الإلكترون طاقة دفع فإنه يقفز من مدار داخلي إلى آخر أعلى. ولا بد للطاقة أن تكون كافية تماما وإذا لم تكن كافية فإن هذا الإنتقال لن يحدث وهذه الدفعة من الطاقة تكون مؤقتة. 


لأن الإلكترون سيعود إلى مداره الأصلي فورا ونتيجة لذلك فإنه يفقد الطاقة التي اكتسبها بإطلاقه لفوتون وتعتمد طاقة كل فوتون على الطول الموجي له أو كما نراه، اللون. (للمعرفة أكثر أنقر هنا)



إن فهم بنية الذرات يفسر لنا الآن أيضا تلك العروض الضوئية الكهربائية المبهرة. تماما كما في أنابيب جايسلر إذ كل نوع من الغازات يمر به التيار يكشف لونه الخاص.


كذلك فإن البرق يظهر باللون الأزرق نتيجة لوجود النيتروجين بالغلاف الجوي. تختلف الغازات عاليا في الغلاف الجوي فكذلك ألوان الطيف للفوتونات المنطلقة صانعة الشفق المذهل.


إن فهم الذرات وكيفية اندماجها معا بالمواد المختلفة وكيفية تصرف الإلكترونات بها كان مفتاحا لفهم الطبيعة الأساسية للكهرباء. 


فمن المعلوم أن المعادن موصلة للكهرباء وذلك لأن الإلكترونات في المعادن ضعيفة الإرتباط بذراتها وبذلك فإنها تتدفق بسهولة منتجة التيار الكهربائي. 


على عكس العوازل فإنها غير موصلة للكهرباء لأن الإلكترونات ترتبط جيدا داخل ذرات مواد العوازل وليست حرة الحركة حولها.


إن تدفق الإلكترونات ومن ثم الكهرباء خلال المعادن أصبح أمرا مفهوما الآن. تم تفسير سلوك الموصلات والعوازل. لكن ما كان يصعب فهمه الآن هو السلوك الغريب للمواد شبه الموصلة.



2.6. إختراع مكبر الإشارة

في بريطانيا، وأثناء الحرب العالمية الثانية كانت مهمة الباحثين هي تطوير نظام الرادار البريطاني. 


كان الرادار يستخدم الأشعة الكهرومغناطيسية ليكشف عن وجود الأعداء وبينما كان يتم التطوير بدا واضحا أن الصمامات لا تقوم بالمهمة لذا كان على الفريق العودة إلى التقنية القديمة فبدلا من الصمامات إستخدموا البلورات شبه الموصلة لكنهم لم يستخدموا نفس نوع البلورات التي طورها بوس واستخدموا بدلا منها السيليكون. 


وليكون عمليا كان لا بد أن يكون شديد النقاء وقد اجتهد كلا طرفي الحرب في تطويره. إمتلك البريطانيون أشباه موصلات جيدة من السيلكون لحصولهم على مساعدات من المعامل الأمريكية وتحديدا في معامل بيل الشهيرة.


 وسرعان ما أدرك الفيزيائيون أنه إذا نجح استبدال الصمامات بأشباه الموصلات في الرادار قد ينجح استبدالها في باقي الأجهزة أيضا مثل المكبرات.


تم تعديل الأنبوبة المفرغة البسيطة ذات المسار الواحد للإلكترونات إلى جهاز جديد فبوضع حاجز معدني في مسار الإلكترونات وتطبيق جهد صغير عليه يحدث تغيير كبير في قوة الأشعة الناتجة. 


إستخدمت هذه الصمامات كمكبرات محولة إشارت  كهربائية صغيرة جدا إلى واحدة أقوى بكثير .


إن المكبر هو شيء بسيط للغاية، تأخذ إشارة صغيرة جدا وتحولها ببساطة إلى إشارة أكبر لكن ذلك يغير العالم حقيقة لأنك عندما تكبر إشارة تستطيع نقلها إلى أي مكان في العالم.



2.7. إختراع الترانزيستورات


الترانزيستورات


بمجرد انتهاء الحرب بدأ الخبير الألماني "هربيرت ماتاري" مع صديقه "هاينريك ويلكر" بناء جهاز من أشباه الموصلات لاستخدامه كمكبر للإشارة حيث أنك إذا قمت بإمرار تيار كهربائي صغير عبر أحد الأسلاك فإن هذا يسمح لتيار أكبر بالمرور من الجانب الآخر. 



هذه الأجهزة الصغيرة سوف تستبدل الصمامات الكبيرة والمكلفة في الشبكات الطويلة للتليفونات والراديو والمعدات الأخرى حيث تحتاج الإشارة الضعيفة للتقوية. 


أدرك ماتاري مباشرة أهمية ما صنع لكن رؤساءه بالبداية لم يهتموا بالأمر إلى ذلك الوقت الذي ظهرت به ورقة بجريدة تعلن عن اكتشاف لمعامل بيل فقد توصل فريق بحثي إلى نفس الأمر والآن هم يعلنون اختراعهم للعالم وقد أسموه "الترانزيستور".



بالرغم من أن الجهاز الأوروبي كان فعالا أكثر من الجهاز الأمريكي ذو الطابع التجريبي، لم يحقق أيا منهما أهدافه فقد عمل كلاهما لكنهما لم يكونا عمليين تطبيقيا لذا إستمر البحث لاكتشاف طريقة أفضل لتكبير الإشارات الكهربائية وقد جاء هذا الإنجاز بالصدفة.



2.8. كشف حقيقة المواد شبه الموصلة



كشف حقيقة المواد شبه الموصلة

في معامل بيل الأمريكية كان خبير بلورات السيلكون "راسيل أول" قد إكتشف أن أحد بلورات السيلكون كان لها خاصية غريبة جدا. 


بدى أنها تولد جهدا كهربائيا خاصا وحينما قام بقياس ذلك الجهد على المذبذب لاحظ تغير الجهد على الدوام بدى وكأن هذا الجهد يعتمد على كمية الإضاءة بالغرفة لذا وبوجود الضل على البلورة كان الجهد ينخفض وكلما زادت الإضاءة زاد الجهد على البلورة والأكثر غرابة أنه وبتسليط المروحة على البلورة يبدأ الجهد بالتذبذب بنفس التردد الناتج من ضل المروحة على البلورة. 



سريعا ما ادرك أحد أصدقاء أول أن هناك تصدعا بالبلورة يصنع وصلة طبيعية وهذه الوصلة الطبيعية الصغيرة كالكتلة الصلبة كانت تشبه الوصلة بين نهاية السلك والبلورة التي اكتشفها بوس عدى أن هذه البلورة حساسة للضوء وهذا الشق نتيجة أن أحد أطراف البلورة كانت به كمية من الشوائب.


كان بأحد الجوانب كمية أكبر من الفوسفور بينما الجهة الأخرى بها كمية أكبر من شائبة أخرى وهي البورون ويبدوا أن الإلكترونات تستطيع الإنتقال من جانب الفوسفور إلى جانب البورون وليس العكس.



فوتونات الضوء المسلطة على البلورة كانت تصدم الإلكترونات إلى خارج الذرة وكانت الذرات الشائبة المسؤولة عن هذا التدفق هي ذرات الفوسفور التي تملك إلكترونا حرا في المدار الأخير أما البورون فيحتاج إلى إلكترون لتستقر نواته لذا تميل الإلكترونات إلى الإنتقال من جانب الفوسفور إلى جانب البورون وبهذا يمر التيار في اتجاه وحيد بالوصلة.



2.9. ثورة السيلكون

ثورة السيلكون



"ويليام شوكلي" رئيس فريق أشباه الموصلات رأى الأهمية البالغة لهذه الوصلة ذات الإتجاه الواحد بالبلورة لكن كيف بالإمكان صناعة بلورة بها وصلتين لتستخدم كمكبر؟ 


كان هناك باحث آخر في معامل بيل يدعى "جوردون تيل". كان يعمل على تقنية ستمكنه من فعل ذلك. 


لقد اكتشف طريقة جديدة ليصنع بلورات مفردة من شبه الموصل، الجرمانيوم. إذ يصهر الجرمانيوم الساخن في وعاء ضخم وتضبط درجة النقاء المطلوبة ثم تضاف بعد ذلك الشوائب المطلوبة لتغيير الخصائص التوصيلية للجرمانيوم. 


وبينما يبرد الجرمانيوم ويتصلب فإنه يكوّن بلورة طويلة كالجليد والناتج النهائي هو بلورة واحدة من الجرمانيوم بها عدد لا متناه من الشوائب المختلفة التي تصنع الوصلات داخل البلورة.



من بلورة صغيرة كتلك يمكن قطع آلاف الكتل، كل منها يحتوي وصلتين تسمح بحركة الإلكترونات عبرها ليتم التحكم بها بدقة وهذه الأجهزة العملية الكهربائية يمكن استخدامها في كل أنواع المعدات الكهربائية.



حصل فريق معامل بيل على جائزة نوبل لاختراعهم الذي غير العالم. فترك ويليام شوكلي معامل بيل وفي عام 1955 قام بإنشاء معمله الخاص بأشباه الموصلات بريف كاليفورنيا مجندا أفضل الخريجين الفيزيائيين بالبلاد لكن هذا الوضع المحتفل لم يدم طويلا لأن شوكلي كان رجلا يصعب التعامل معه. فترك الناس شركته لأنهم كرهوا الطريقة التي عاملهم بها.



كانت الشركات الجديدة بوادي السليكون بريف كاليفورنا في تنافس شديد لتطوير أحدث أجهزة أشباه الموصلات فقاموا بتصغير الترانزيستورات لدرجة كبيرة حيث يمكن وضع عدد ضخم منهم في دائرة كهربائية.


وهذه الشرائح الصغيرة يمكن دمجها بكل أنواع المعدات الإلكترونية وأشهرها هي الحواسيب.




3. فجر عصر جديد، لكن الحكاية لم تنتهي بعد


فجر عصر جديد، لكن الحكاية لم تنتهي بعد


لقد بزغ فجر جديد. واليوم، تلك الشرائح متناهية الصغر متواجدة في كل مكان. لقد غيرت كل اشكال الحياة الحديثة من الإتصالات الى النقل وحتى التسلية. وبما أن حواسيبنا أصبحت بتلك القوة فإن ذلك ساعدنا على فهم أعمق للكون بكل تعقيداته. من المدهش حقا كم التطور الذي حدث على مدار ستين عاما.



من الخطإ التفكير أنه لم يبق سوى القليل لنتعلمه فبالملاحظة نجد أن الدائرة كلما كانت أصغر يعني ذلك أن خاصية كهربائية منذ قرون كانت تزيد مشاكلها أكثر فأكثر. إنها المقاومة.


 يجب أن يتم تبريد الحاسوب باستمرار. إذا نزعت المروحة فإن الشريحة ستحترق وتتلف نهائيا خلال بضع ثوان فقط. 


فبينما تسري الإلكترونات خلال الشريحة فإنها لا تسري ببساطة دون إعاقة لأنها تصارع للمرور داخل ذرات السيلكون والطاقة المفقودة بواسطة الإلكترونات تتحول إلى حرارة. ومن المعتقد أن المقاومة تضيع 20 في المائة من الطاقة الكهربائية التي ننتجها.


هذه إحدى المشاكل الكبرى للعالم الحديث وتحاول الأبحاث الإقتراب من حل لمعضلة المقاومة.




أخيرا، لقد غيرت الكهرباء عالمنا. فمنذ قرنين أو ثلاث فقط كانت تبدو كأعجوبة سحرية غامضة ثم انتقلت من المختبرات نتيجة سلسلة من التجارب الغريبة والمدهشة وأخيرا تم السيطرة عليها وأحدثت ثورة في عالم الإتصالات ومن قبلها كابلات التوصيل ومن ثم الموجات في مجالات الكهرباء المتقدمة. 

إنها تدير وتضيء عالمنا الحديث. من الصعب تخيل عالمنا الآن دون كهرباء فهي التي شكلت عصرنا وبدونها سنخسر الكثير من حولنا ولا تزال تقدم لنا المزيد. فنحن على أعتاب عصر جديد من الإكتشاف، ثورة جديدة. 


لكن ثمة شيء ما ينبغي على كل من يعمل بمجال الكهرباء أن يعلمه وهو أن:

القصة لم تنتهي بعد.  

تعليقات

التنقل السريع