القائمة الرئيسية

الصفحات

ما الذي يجب أن تعرفه عن ميكانيكا الكم؟

 ما الذي يجب أن تعرفه عن ميكانيكا الكم؟


ما الذي يجب أن تعرفه عن ميكانيكا الكم؟


تنطبق قوانين الفيزياء دائما على كل شيء في الكون مهما كان نوعه أو مكانه، ولكن على المقاييس الكمومية المتناهية في الصغر، فإن سلوك الجسام لا يمكن التنبؤ بها.

على المستوى الكمي، كل شيء عبارة عن موجة وجسيم ، ولا يمكن توقع النتائج إلا بشكل احتمالي. ومع ذلك، فإن البعض يعتبر أن الإطار الكمومي هو الأكثر نجاحًا في وصف الواقع ، وكل شيء يخضع لقواعده.


1. القوانين الكمومية والقوانين الكونية

إن الفكرة الأكثر روعة وقوة في كل العلوم هي فكرة أن الكون، بكل تعقيداته و كبره يمكن اختزاله إلى أبسط مكوناته وأكثرها جوهرية. 

فإذا تمكن البشر من تحديد القواعد والقوانين الأساسية (على المستوى الكمي) التي تحكم الواقع، يمكن استخدام فهمنا لتلك القوانين للتنبؤ بما ستكون عليه الأشياء سواء في الماضي البعيد او المستقبل البعيد. 

فالمفتاح الأساسي لكشف أسرار الكون يتعلق أساسا بالتغلب على التحدي الآتي: اكتشاف جميع المكونات الأساسية للكون وتحديد كيفية تفاعل تلك الكيانات وتطورها، ثم تدوين وحل المعادلات التي تسمح لنا بالتنبؤ بالنتائج التي لم نتمكن من قياسها بأنفسنا.


الشكل التخيلي للذرة في بداية القرن العشرين



2. ما قبل فيزياء الكم - القوانين الكلاسيكية

طالما تساءل البشر عن ماهية المادة والأشياء من حولنا، فمنذ فجر التاريخ الإنساني، كان لدى الفلاسفة مجموعة من الفرضيات و المسلمات، فقد افترضنا أن كل ما هو موجود مصنوع من المادة وافترض بعض الفلاسفة أن المادة يمكن تقسيمها، الى حد الوصول، في مرحلة ما، الى اللبنة الأساسية التي تكون جميع الأجسام والتي لا يمكن تجزئتها أكثر.

في الواقع تأتي كلمة atom (ذرة) من الكلمة اليونانية ἄτομος والتي تعني "غير قابل للتقسيم".


اتضح بعد ذلك أن الذرة تتكون من عدة جسيمات غير قابلة للتجزئة وأن هذه الجسيمات تتفاعل فيما بينها عبر عدة قوى، مثل القوة الكهرومغناطيسية والجاذبية والقوى النووية، وأن هذا التفاعل هو ما يكون واقعنا المادي الملموس.


مع ذلك، فقوانين الجاذبية والكهرومغناطيسية هي قوانين قطعية تماما (حتمية) فإذا حددت المواضع المبدئية و السرعة لأي جسم أو نظام من الكتل و أو الشحنات الكهربائية وحددت مواضعها او حركتها في أي لحظة من الزمن فستسمح لك تلك القوانين بالتنبؤ بحركتها في المستقبل، و بدقة كبيرة. 


وتنطبق هذه القوانين على كل الأجسام الكبيرة (من الكواكب والمجرات الى حبيبات الرمل الصغيرة) ولا تزال هذه القواعد ناجحة الى حد ما في وصف حركة الأجسام الكبيرة.


لكن الأمر يختلف اذا ما وصفنا حركة الأجسام دون الذرية، فهذه القوانين تصبح غير صالحة إذا ما أردنا وصف حركة الكترون مثلا.


حركة الأجسام



3. قوانين عالم الكم - وصف حركة الجسيمات المتناهية في الصغر

تخضع الجسيمات دون الذرية والفيزياء الذرية عموما الى عدة قواعد وخصائص يمكن تلخيصها في النقاط التالية :


3.1. مبدأ عدم اليقين

من أهم القواعد التي تحكم عالم الكم وأشهرها هو أنه لا يمكنك معرفة كل شيء بدقة متناهية، دفعة واحدة. 

فإذا قمت بقياس خاصية معينة لجسيم دون ذري بشكل دقيق، فإن الخصائص الأخرى ستصبح غير مؤكدة فمثلا إذا قمت بقياس موضع جسيم بدقة فإن سرعته ستصبح غير مؤكدة وإذا قمت بقياس سرعة دوران جسيم (أو spin ) في اتجاه واحد (من اليمين الى الشمال مثلا) فإن المعلومات حول دوران الجسيم في الإتجاهات الأخرى (من الأعلى الى الأسفل مثلا) ستصبح غير مؤكدة.


هذه بعض الأمثلة على غرابة فيزياء الكم، لكنها كافية لتفسير استحالة معرفة كل شيء عن نظام ما في وقت واحد.


فالطبيعة تضع بعض الحدود عن ما يمكن معرفته في وقت واحد عن أي نظام فيزيائي، وكلما حاولت تحديد أي خاصية بدقة كبيرة كلما اصبحت الخاصية الأخرى المرتبطة بها غير مؤكدة بطبيعتها.


3.2. الخصائص المزدوجة جسيم - موجة

تظهر الأنظمة الكمية سلوكيات تشبه سلوك الجزيء أو الموجة اعتمادا على طريقة قياسك لها، أو إذا ما كنت تقيس النظام أم لا. 

وتعتبر تجربة الشق المزدوج أشهر مثال على ذلك .. إذا قمنا بتمرير جسيمات كمومية (إلكترونات مثلا) عبر شقين متقاربين - كل الكترون على حدة - وقمنا بوضع شاشة حساسة للإكترونات وراء الشقين لتسجيل النتائج نلاحظ الآتي :


  • إذا لم تقم بقياس الجسيم الذي يمر عبر أي شق ، فإن النمط الذي ستلاحظه على الشاشة خلف الشق سيظهر تداخلًا وهو من خصائص الموجات، حيث يبدو أن كل جسيم يتداخل مع نفسه طوال الرحلة. وتسجل الشاشة مجموعة من الخطوط المضيئة و الخطوط المظلمة.

  •  أما إذا قمت بقياس الشق الذي يمر به كل جسيم - يمر الجسيم 1 عبر الشق 2 ، ويمر الجسيم 2 خلال الشق 2 ، ويمر الجسيم 3 عبر الشق 1 الخ... سنلاحظ هنا أن نمط التداخل قد اختفى وستسجل الشاشة خطين مضيئين.



نتيجة تجربة يتم فيها اطلاق الكترونات واحدا تلو الآخر من خلال شق مزدوج
(يمكن رؤية نمط التداخل بوضوح (المصدر من هنا



3.3. التوزيع الإحتمالي

في عالم الكم ليس فقط من المستحيل معرفة خاصيتين فيزيائيتين لجسيم في وقت واحد، بل إن قوانين فيزياء الكم نفسها ليست محددة بشكل قطعي. 


في الفيزياء الكلاسيكية، إذا قمنا برمي جسم من مكان الى مكان آخر، فاعتمادا على سرعته الأولية وبعض الخصائص الفيزيائية الأخرى يمكننا التنبؤ بمكان سقوطه، لكن في الكون الكمومي ، إذا أجريت نفس التجربة ولكنك استخدمت جسيمًا كميًا بدلاً من ذلك - سواء كان فوتونًا أو إلكترونًا أو غيرهما - يمكنك فقط وصف المجموعة المحتملة من النتائج التي ستحدث أي يمكنك فقط حساب الأمكنة التي "من الممكن" أن "يسقط" فيها الجسيم.


تسمح فيزياء الكم بالتنبؤ بالإحتمالات التي من الممكن أن تكون عليها نتائج تجربتك، لكنها- على عكس الفيزياء الكلاسيكية - لا تسمح لك بإعداد نظام ما ثم التنبؤ بالحالة التي سيكون عليها هذا النظام بعد وقت محدد. 


بالنسبة لأي جسيم منفرد ، هناك طريقة واحدة فقط لتحديد خصائصه في لحظة معينة من الوقت وهي عن طريق قياسها.



3.4. الكمومية ومفهوم الكوانتات

يعتبر الكثيرون هذه القاعدة بمثابة قلب ميكانيكا الكم، وأبسط مثال على ذلك هو مدار الكترون حول نواة ذرة ما، فإذا أضفنا للإلكترون طاقة مختلفة عن الطاقة التي تمكنه من الإنطلاق من مداره الى مدار أعلى، لن يغادر مدارة حتى وإن كانت الطاقة المضافة أكبر من الطاقة التي تجعله يغادر مداره الى مدار آخر. 

وهناك أمثلة أخرى فمثلا يمكن أن تأتي الجسيمات فقط بشحنات كهربائية معينة: بزيادات تبلغ ثلث شحنة الإلكترون فلن تجد جسيما بنصف شحنة مثلا.



3.5. تأثير القياس على سلوك الجسيمات

إن قياس نظام كمي يغير بشكل جذري نتيجة ذلك النظام. وفقًا لقواعد ميكانيكا الكم ، يُسمح للجسيم الكمومي بالتواجد في حالات متعددة في وقت واحد. 


إذا كان لديك إلكترون يمر عبر شق مزدوج ، فيجب أن يمر جزء من هذا الإلكترون عبر كلا الشقين ، في وقت واحد ، من أجل إنتاج نمط التداخل. 


إذا كان لديك إلكترون في سلك توصيل صلب ، فإن مستويات طاقته تكون كمومية ، لكن مواقعه المحتملة ليست كمومية أو متجزئة ولكن مستمرة. 


نفس الشيء بالنسبة للإلكترون في الذرة: يمكننا معرفة مستوى طاقته ، لكن السؤال عن "أين هو الإلكترون" هو شيء لا يمكن الإجابة عنه إلا بشكل احتمالي. لكن في لحظة قياسك أو ملاحظتك للإلكترون، يتخذ هذا الأخير حالة واحدة من بين الاف الإحتمالات الممكنة.


3.6. التشابك و التراكب الكمي

 يمكن أن يكون لديك نظام موجود في أكثر من حالة في وقت واحد. 

يمكن أن تكون قطة شرودنغر حية وميتة في آن واحد وهذا ما يسمى بالتراكب الكمي ؛ تصادم موجتين مختلفتين من الماء في موقعك يمكن أن يتسبب في صعودك و هبوطك معا ؛ إن الجزء الكمي من المعلومات ليس فقط 0 أو 1 ، بل يمكن أن يكون 0 و 1 في نفس الوقت. ومع ذلك ، لا توجد طريقة لقياس هذا التراكب. 

فعند إجراء قياس ، تحصل على حالة واحدة فقط لكل قياس. 

افتح الصندوق: ستجد أن القطة حية. راقب الجسم الموجود في الماء: سوف يرتفع أو يسقط.


في حين أن التراكب عبارة عن تأثيرات مختلفة أو جسيمات أو حالات كمومية متراكبة فوق بعضها البعض ، فإن التشابك مختلف: إنه ارتباط بين جزيئين مختلفين أو أكثر.  

ولا يعتمد هذا التشابك على المسافة فيمكن أن يمتد التشابك إلى مسافات كبيرة ، وينص بشكل أساسي على أن الخصائص مرتبطة بين جسيمين مختلفين. إذا كان لدي فوتونان متشابكان ، وأردت تخمين "الدوران" أو ال spin لكل منهما ، فستكون لدي احتمالات 50/50. ولكن إذا قمت بقياس دوران أحدهما ، فسأعرف دوران الآخر لحظيا.



4. ميكانيكا الكم و الواقع

إن عالم الكم يتميز بعديد الخصائص الغير مألوفة والتي تبدو في الواقع الملموس غير منطقية، فهناك العديد من الطرق "لتفسير" فيزياء الكم ، لكن هل تفسيراتنا لها هي الحقيقة؟ 

فكلنا نعلم أن هناك فرق كبير بين كونك قادرًا على كتابة المعادلات التي تصف الكون وتتفق مع التجارب وبين وصفك لما يحدث بالضبط بطريقة مستقلة عن القياس فأي من بين هذين الطريقتين يصف الواقع بشكل أدق؟


إن الفيزياء بصفة عامة، تتمحور حول التنبؤ والمراقبة والقياس. ومع ذلك ، عند إجراء قياس، ما الذي يحدث؟ هل يتغير الواقع عند القياس؟ هل الواقع هو مجموعة احتمالات لا حصر لها وقياسه يجعل احتمالا واحدا فقط يظهر لنا؟


هل الواقع مجموعة من الدوال الموجية الكمومية التي "تنهار" بصفة لحظية عند إجراء القياس؟ أم هل هو مجموعة لانهائية من الموجات الكمومية و القياس "يختار" أحد هذه الموجات ؟ أم هل هو عدد لا حصر له من العوالم الممكنة ، حيث يتوافق كل عالم مع نتيجة واحدة ، ومع ذلك فإن كوننا سوف يسير في أحد هذه المسارات فقط؟


هذه بعض تفسيرات السلوكيات اللامنطقية لعالم الكم لكن إلى حد هذه اللحظة تبقى هذه التفسيرات مجرد فرضيات لم يتم تأكيد صحة أي واحدة منها عن طريق التجربة.


على عكس الفيزياء الكلاسيكية التي اعتقدنا في القرن التاسع عشر أنها تحكم الواقع ، فإن في عالم الكم لا يوجد شيء اسمه "واقع حقيقي" مستقل عن المراقب. 


في الحقيقة، إن إجراء القياس يغير نظامك بشكل لا رجوع فيه. بالإضافة إلى ذلك ، الواقع نفسه غير مؤكد بطبيعته، حيث التقلبات الكمومية مسؤولة عن بناء كل شيء  في الكون من التحلل الإشعاعي للذرات إلى اللبنات الأساسية التي بنت الكون و شكلت النجوم والمجرات ، وفي النهاية البشر.


المصدر من هنا



تعليقات

التنقل السريع