القائمة الرئيسية

الصفحات

نظرية الأوتار - آخر ما توصل إليه العلم

 نظرية الاوتار 

نظرية الاوتار


1. مقدمة - النموذج المعياري

يحتوي كوننا على الكثير من المادة العادية و "المظلمة". و هذه المادة تتكون من جسيمات أولية متناهية في الصغر كالإلكترونات و الكواركات و النيوترينوات..

تتحرك هذه الجسيمات في الكون بصفة دائمة، و تتفاعل أيضا في بينها. بل و تتبادل جسيمات أخرى بين بعضها البعض. فالطاقة الكهرومغناطيسية مثلا، تنتقل عن طريق تبادل الفوتونات.


كل هذه الجسيمات، تكوّن ما يسميه فيزيائيو الجسيمات بالنموذج المعياري أو النموذج القياسي. ويمثل النموذج القياسي اليوم أحدث وصف رياضي للعالم الكمومي على الاطلاق.
يحتوي النموذج المعياري على نوعين من الجسيمات:


  • الفرميونات التي تكوّن وحدات بناء المادة (مثل الكواركات و الالكترونات)
  • البوزونات التي تساهم في تفاعل المادة فيما بينها (مثل الفوتونات و بوزون هيغز)


النموذج المعياري


من الوهلة الأولى، ربما يعتقد المرء أن النموذج المعياري يمثل النظرية الشاملة التي تشرح كل شيء. ولكن لسوء الحظ، لا يمكن للنموذج المعياري أن يصف قوة الجاذبية.


ففي بداية القرن العشرين، تمكن البشر من وصف الجاذبية على نطاق واسع عن طريق نظرية النسبية، و تمكنا من معرفة أن الأجسام الثقيلة في الفضاء تكوّن انحناء في نسيج رباعي الأبعاد مما يجذب إليها الأجسام الأخرى.


كما هو الحال مع أنواع التفاعلات الأخرى، كنا نتوقع أن الجاذبية أيضا تتكوّن على نطاق كمومي من جسيمات، أو انحناء في الزمكان على نطاق كمومي و سمي هذا الجسيم الافتراضي بالغرافيتون.


ولكن عندما نحاول إدخال الغرافيتون في النموذج المعياري تظهر العديد من المشاكل، و تعطي الحسابات نتائج متضاربة وغير منطقية، و لم يتمكن أحد من وصف الجاذبية على نطاق كمومي.

لحل هذه المشكلة، عمل علماء فيزياء الجسيمات على إيجاد نظريات جديدة منذ أكثر من نصف قرن.


في هذه المقالة، سنحاول أن نستعرض إحدى أهم المقاربات الواعدة التي لقيت رواجا كبيرا في المجتمع العلمي، ألا وهي نظرية الأوتار.


2. ماهي نظرية الأوتار

في النموذج المعياري، يتم وصف الجسيمات على أنها نقاط متناهية في الصغر و بدون أبعاد أو حدود. و هذه الجسيمات، كما يعرف الجميع، مختلفة في الخصائص.


لكن نظرية الأوتار مختلفة قليلا، فهي تفترض أن هذه الجسيمات ليست إلا مقاربات، وأنها في الحقيقة ليست نقاطا و إنما  تتكون من شيء واحد، وهو خيط صغير (أو وتر)، مثل الأربطة المطاطية الصغيرة، ويكون أحيانا مفتوحا وأحيانا مغلقا. وهذه الأوتار تتميز عن بعضها بطريقة اهتزازها، حيث يمكن لكل واحد أن يهتز بطريقة معينة، مثل أوتار الغيتار.

كل طريقة للإهتزاز تظهر على مقاييسنا نحن، على أنها جسيم مختلف.


ماهي نظرية الأوتار


عند إجراء الحسابات، نكتشف فعلا أن بعض أنواع الأوتار تمثل الفوتون، بل و حتى أن بعض أنواع الأوتار الأخرى تمثل جسيم الغرافيتون الذي لم يستطع النموذج المعياري أن يصفه.


و بذلك انطلاقا من فكرة أن جميع الجسيمات تمثل أوتارا صغيرة، تمكنا من تفسير وجود الكثير من الجسيمات، و توقعنا وجود الغرافيتون الذي يصف الجاذبية على مقياسي كمي.


3. تفاعل الجسيمات في نظرية الأوتار

لكن السؤال هنا هو كيف تتفاعل هذه الأوتار في ما بينها و كيف تتطور في الكون؟ 
للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من مراجعة بعض مبادئ ميكانيكا الكم.


عند إجراء تجربة اطلاق الكترون نحو هدف معين، فإنه ينتقل على شكل موجة من الإحتمالات إلى أن يصل إلى الهدف، و لا يمكننا التنبؤ مسبقا بالمكان الذي سيكون فيه على الهدف، بل نعرف فقط مجموعة الإحتمالات أين يمكن أن يكون الإلكترون. فعلى نطاق كمومي، هذه التجربة يمكن أن تعطي العديد من النتائج المختلفة.


تقوم المقاربة الرياضية في إيجاد احتمالية وجود الإلكترون في مكان معين على الهدف، على حساب جميع السيناريوهات المحتملة التي تؤدي إلى هذه النتيجة. فنجمع جميع المسارات التي من الممكن أن يتخذها الإكترون للوصول إلى مكان معين على الهدف. و كذلك حساب جميع التفاعلات الممكنة، على سبيل المثال يمكن للإلكترون أن يطلق فوتون ثم يمتصه..


تقوم نظرية الأوتار على نفس هذه المبادئ، لكن هذه المرة الاكترون ليس نقطة بل على شكل وتر. فالنقطة ترسم خطا عندما تنتقل، أما الوتر فيرسم سطحا.


تفاعل الجسيمات في نظرية الأوتار




ولفهم كيف تتغير الأوتار مع مرور الزمن عندما تتحرك، كما في المثال السابق عن الالكترون، سنقوم بحساب جميع الأشكال الهندسية التي من الممكن أن تتخذها مع مرور الوقت. حيث يمكنها أن تتخذ مسارا معينا، وأن تهتز بطريقة معينة، بل و يمكن ايضا أن تنقسم الى جزئين أو أن تمتص جزيئ معين..


من خلال إحصاء كل هذه الأشكال التي من الممكن أن تعطيها الأوتار، يمكننا تضمين هذه التفاعلات في نظرية الأوتار.


وبذلك، فعن طريق نظرية الأوتار، لايمكننا أن نتوقع وجود الغرافيتون فحسب، بل ويمكننا أن نفهم الطريقة التي يتفاعل بها مع بقية الجسيمات، وبذلك نفهم الجاذبية الكمومية.


4. نظرية الأوتار الفائقة

مكنتنا نظرية الأوتار من حل بعض المشاكل خاصة تلك المتعلقة بالغرافيتون، و تمكنت من تفسير سبب وجود الكثير من الجسيمات و فسرت طريقة التفاعل في ما بينها. 


ولكن لسوء الحظ، في هذه المرحلة، توجد ثلاث مشاكل تعترض نموذج نظرية الأوتار:


المشكلة الأولى: أن جميع هذه الأوتار تصف البوزونات فقط (مثل الفوتون و الغرافيتون). لكن في الواقع، يوجد نوع آخر من الجسيمات، وهي الفرميونات مثل الالكترونات و الكواركات. 


المشكلة الثانية هي أن نظرية الأوتار تتوقع وجود جسيم يسمى "التاكيون"، مشكلة هذا الجسيم أن وزنه هو عدد تخيلي (الجذر التربيعي ل1-) وهذا غير منطقي، وهي مشكلة رياضية و لا بد من إلغاء هذا الجسيم.


المشكلة الثالثة : نعلم أن الزمكان في الواقع مكوّن من 4 أبعاد، ثلاثة أبعاد مكانية وبعد زمني. ولكن هذه النظرية لا تعمل إلا في كون يتكون من 26 بعدا. و بذلك فإن نظرية الأوتار في شكلها الحالي بعيدة كل البعد عن وصف كوننا.


لتفادي هذه المشاكل، لابد من تعديل هذه النظرية:

لإضافة الفرميونات الى نظرية الأوتار، يمكن إضافة قيمة رياضية تسمى السبينور إلى نظرية الأوتار. فعن طريق إضافته، لم نتمكن فحسب من أضافة الفرميونات، بل إن الجسيم الافتراضي المسمى تاكيون لم يعد موجودا بعد هذه التعديلات.

هذه النظرية المعدلة، والتي تعتبر أكثر اكتمالا تسمى "نظرية الأوتار الفائقة".


في الواقع، بعد أن أضفنا السبينور، أصبح لدينا عدد من الفرميونات مساو تماما لعدد البوزونات، أي أنه أصبح هناك تناظر بين هذين النوعين من الجسيمات، وهو ما يسمى بالتناظر الفائق.


أما بالنسبة للمشكلة الثالثة التي تتعلق بأن النماذج الرياضية في نظرية الأوتار تعمل في كون به 26 بعدا،  فبعد إضافة السبينورات، أصبحت نظرية الأوتار الفائقة تعمل في كون به 10 أبعاد فقط، تسعة أبعاد مكانية، وبعد زمني. ولسوء الحظ، هذه المشكلة الثالثة لم يتم حلها.


ولكن، إذا كانت هذه االأبعاد موجودة في كوننا فأين يمكن أن تكون اختفت؟ 


5. فرضية الأبعاد المدمجة

يقترح البعض احتمال أن كوننا ماهو إلا شريحة ثلاثية الأبعاد لكون فائق ذو 9 أبعاد. أحدى الاحتمالات أيضا تقترح أن الأبعاد الستة التي لا نلاحظها، هي في الواقع ملتفّة حول بعضها البعض ولايمكن الإحساس بها إلا على النطاق الكمومي.


من الأمثلة المشهورة على ذلك هو أن نتخيل نملة تمشي على قشة رقيقة جدا، حيث يمكنها أن تمشي إلى الأمام وإلى الخلف، و كذلك يمكنها الدوران حول القشة. ولكن إذا بتعدنا بما فيه الكفاية، فإنه يمكننا فقط مشاهدة تحرك النملة إلى الأمام و الخلف، أما الدوران فهو يحدث في جزء صغير جدا من القشة بحيث لا يمكن مشاهدته من بعيد.


فرضية الأبعاد المدمجة





في نظرية الأوتار الفائقة، يمكننا افتراض نظرية مشابهة، حيث أن كوننا يتكون من 9 أبعاد مكانية، لكن 6 منها ملتفة حول بعضها بحيث لا يمكننا إدراكها على مقياس كبير.


قد يبدو هذا الإفتراض محل شك، ففي النهاية ليس من المعقول افتراض وجود أبعاد لا يمكن إدراكها. لكن ماذا لو أن افتراض وجود أبعاد إضافية يقدم إجابات عن سبب وجود ظواهر يمكن ملاحظتها.




فعلى سبيل المثال، يمكننا افتراض جسيم دون كتلة ينتقل بسرعة الضوء، ولكن يدخل جزئيا في بعد مدمج (مثل النملة التي تتحرك الى الامام و لكن احيانا تدور حول القشة). من وجهة نظرنا لا يمكننا إدراك البعد الاضافي، وبذلك يظهر لنا أن هذا الجسيم يمشي بسرعة أقل من الواقع، وبذلك نفترض أن له كتلة.


تقترح فكرة الأبعاد المدمجة الإضافية آلية بسيطة إلى حد ما يمكن من خلالها أن تظهر لنا جسيمات معينة بكتلة كبيرة جدًا.


إن وجود هذه الأبعاد الستة الإضافية في نظرية الأوتار الفائقة، تتيح وجود عدد كبير من أنواع الإهتزازات في الأوتار، وبذلك وجود عدد كبير من الجسيمات.


6. نظرية الأوتار و النظرية M

تظل نظرية الأوتار إلى حد الآن تطرح الكثير من التساؤلات ومن الصعب التحقق منها عن طريق التجربة وذلك لأن حجم هذه الأوتار متناه في الصغر. وتعتبر نظرية الأوتار، مقاربة من بين الكثير من المقاربات العلمية للوصول الى النظرية الشاملة.


لكن نظرية الأوتار لاتزال أيضا إحدى أكثر النماذج الواعدة، فالأوتار مكنتنا من وصف الجاذبية على المقاييس الكمية، مما فتح الكثير من الآفاق أمام العلماء لدراسة الثقوب السوداء


كذلك أتاحت لنا نظرية الأوتار دراسة و تطوير جوانب متعددة من الرياضيات، وأيضا فهم وتطوير النموذج القياسي. إضافة إلى ذلك، تفترض هذه النظرية وجود جسيمات إفتراضية مثل "الأكسيونات" التي من شأنها تفسير وجود المادة المظلمة.


ومع ذلك لايزال أمام الباحثين الكثير من العمل للقيام به، لاسيما تلك الجوانب من نظرية الأوتار التي تعتمد على فكرة التناظر الفائق، والتي تتنبأ بوجود جسيمات أخرى لم تتم ملاحظتها إلى الآن.

النظرية M




حاليا توجد نظرية الأوتار الفائقة في الواقع في 5 إصدارات مختلفة ، يصف كل منها نوعا مختلفا من الأكوان. ويمكننا أن نبرهن رياضيا أن هذه النظريات الخمس هي في الواقع ليست سوى مقاربة لنموذج واحد أكثر اكتمالا ، نظرية تصف كونًا به 11 بعدًا ألا وهي النظرية M.

تعليقات

التنقل السريع