القائمة الرئيسية

الصفحات

المادة المظلمة - الأدلة على وجودها

ماهي المادة المظلمة

ما لا تعرفه عن المادة المظلمة


ما لا تعرفه عن المادة المظلمة


حسب علماء الفيزياء الفلكية، فإن الكون يتكون في معظمه (أكثر من 80٪) من مادة غير معروفة لم تتم مشاهدتها بشكل مباشر والتي لم نتعرف بعد على طبيعتها وخصائصها، الا وهي المادة المظلمة.



إن مصطلح "المادة المظلمة " ليس دقيقا إلى حد ما، فإذا أخذنا في الإعتبار حقيقة أن إحدى خصائص هذه المادة هي أنها لا تتفاعل مع الضوء، فيجب علينا بدلاً من ذلك وصفها بالمادة الشفافة.



لكن إذا لم نرصد هذه المادة المظلمة مطلقًا، فما الذي يجعل اغلب الفيزيائيين والفلكيين متأكدين من وجودها؟



في هذه المقالة سنتحدث عن الأدلة الفيزيائية والرياضية عن المادة المظلمة وعن آخر التطورات العلمية بخصوصها.


1. نبذة تاريخية

1.1. اكتشاف Zwicky


إن القرائن الأولى المتعلقة بالمادة المظلمة قد مر على اكتشافها أكثر من 80 عامًا. ففي عام 1933 ، لاحظها عالم الفلك السويسري فريتز زفيكي (Fritz Zwicky) في ما يعرف باسم العنقود المجري كوما وهي مجموعة من المجرات تقع على بعد أكثر من 300 مليون سنة ضوئية منا.



لاحظ زفيكي أن المجرات تتحرك هناك كما لو أن العنقود يحتوي على مادة أكثر بكثير مما يمكن ملاحظته، ثم اقترح فرضية أن هذا العنقود يحتوي على كمية كبيرة من المادة، والتي وصفها بالمظلمة، حيث تتميز بكونها لا تصدر ضوءًا و هذا ما يفسر هذه الحركة غير الطبيعية للمجرات.



يمكن أن تكون هذه الفرضية منطقية للوهلة الأولى، ففي نهاية الأمر، يحتوي كوننا على العديد من الأجسام التي لا تصدر ضوءا كالكواكب والأقمار والكويكبات... لكن المشكلة هنا هي أن كتلة هذه الأجسام ضعيفة جدا مقارنة بكتل النجوم فكوكب المشتري على سبيل المثال، يزن فقط الف جزء من كتلة الشمس.



لذلك فسبب هذه الكتلة يجب أن يكون شيئا آخر غير الكواكب. 



1.2. كيف يمكن حساب الكتلة في الأجسام الفضائية

قبل عرض الأعمال العلمية التي أدت الى اكتشاف المادة المظلمة،  لا بد أن نفهم أولا كيف أن دراسة حركة الأجسام مثل المجرات أو النجوم يسمح لنا بتقدير كتلة الأجسام. فلنأخذ النظام الشمسي كمثال.



من خلال الصورة التالية للنظام الشمسي التي توضح السرعة المتوسطة لكل كوكب،  نلاحظ أنه كلما كان الكوكب أبعد عن الشمس، كانت سرعته أبطأ. في الواقع ، كل هذا منطقي تمامًا وقد تم حسابه جيدًا بفضل قانون نيوتن للجاذبية. يمكننا ربط سرعة الكوكب مباشرة ببعده عن الشمس.




النظام الشمسي






فمن خلال المعادلة التالية نلاحظ ببساطة أن قوة الطرد المركزي مساوية لقوة الجاذبية. (حيث m هي كتلة الكوكب و M هي كتلة الشمس و R هي المسافة الفاصلة بينهما و v هي سرعة دوران الكوكب و G هو ثابت الجاذبية الكونية)


وبذلك فإن السرعة تتناسب عكسًا مع الجذر التربيعي للمسافة.





وهذه الصيغة تطابق تمامًا ما نلاحظه بخصوص انخفاض سرعة الكوكب كلما ابتعدنا عن الشمس.


لكن في المعادلة السابقة، نرى أيضا أن كتلة الشمس موجودة في المعادلة. هذا يعني أنه من خلال معرفة السرعة والمسافة بين الكوكب والشمس ، يمكننا استنتاج كتلة الشمس.


Zwicky من خلال إجراء حساب من هذا النوع ولكن بدلا من المجموعة الشمسية، أجرى حسابات على المجرات في العناقيد المجرية، حيث وجد في العنقود المجري Coma كتلة غير متوافقة تمامًا مع كمية النجوم التي يمكن للمرء رؤيتها هناك. وهكذا استنتج Zwicky أن هناك كتلة كبيرة لا يمكن رويتها، وأن هذه الكتلة تأتي من مادة مظلمة افتراضية.




1.3. أعمال فيرا روبين


في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كانت عالمة الفلك الأمريكية ، فيرا روبين ، بصدد دراسة حركة النجوم داخل المجرات، واستعملت تيليسكوبات متطورة في رصد المجرات وتحرك النجوم داخلها، بالطبع في شكل دائري حول مركز المجرة.



وكما هو الحال مع النظام الشمسي ، فإننا نتوقع أن تتحرك النجوم في الأطراف بسرعة أقل من تلك الموجودة في المركز. لكن الأمر لم يكن كذلك.



تمكنت فيرا روبين من رسم ما يسمى بمنحنى دوران المجرات وهو رسم بياني يوضح تغير سرعة النجوم مع تغير المسافة من مركز المجرة. ولاحظت أن جميع المنحنيات لها نفس المظهر، حيث أن سرعة النجوم تبقى ثابتة كلما ابتعدت عن مركز المجرة، بدلاً من التناقص كما كنا نتوقع.



تقدم هذه الملاحظات دليلاً لا جدال فيه على أنه حتى داخل المجرات، هناك كتلة كبيرة لم يتم رصدها ولم يتم التعرف على مصدرها. 



ومنذ ذلك الوقت بدأ الحديث بجدية في المجتمع العلمي عن المادة المظلمة. 




2. منحنى الدوران


منحنى الدوران





منذ أعمال Vera Rubin ، قام الباحثون بإعادة إنتاج وتحسين قياسات منحنيات الدوران كثيرًا، وأصبحوا قادرين على القيام بذلك حتى في مجرتنا، درب التبانة.



سمحت هذه المنحنيات بمعرفة أن أربعة أخماس كتلة المجرات تتكون من المادة المظلمة. بالإضافة إلى أنها أتاحت للعلماء تقدير كيفية توزيع هذه المادة المظلمة في المجرات، فبالإضافة الى المادة المعروفة (النجوم والكواكب والغاز...) التي تتوزع على شكل قرص مسطح، فإن المادة المظلمة تشكل ما يشبه هالة كروية تحيط بكامل قرص المجرة.




3. فرضيات حول طبيعة المادة المظلمة


ولكن إذا كانت هذه المادة المظلمة موجودة حقا ، فمن ماذا تتكون؟ هناك عدة فرضيات تقترح سبب هذه الكتلة غير المرئية في المجرات.


3.1. فرضية المادة العادية MACHOs


فرضية المادة العادية MACHOs




الفرضية التي تبدو الأكثر منطقية لشرح وجود المادة المظلمة هي وجود أجسام ذات كتلة عالية لكنها لا تصدر ضوءا يمكن رصده، وكثيفة بما يكفي لتوفر الكثير من الكتل داخل المجرات دون أن يتم رصدها. يمكن للمرء أن يفكر على وجه الخصوص في الثقوب السوداء ، والأقزام البنية التي تمثل نجوما لم تجمع ما يكفي من المادة لحرق الهيدروجين، أو النجوم النيوترونية التي هي بقايا سوبرنوفا والتي تبلغ كثافتها مائة تريليون ضعف كثافة الكواكب أو النجوم العادية.


يطلق علماء الفلك على هذه الأجسام عالية الكثافة اسم MACHO أو massive compact halo object.


إذا كانت هذه الفرضية صحيحة ، فلن تكون هذه المادة المظلمة شيئا غامضا من الأساس لأنها تتكون من الجسيمات المعتادة، مثل الذرات والبروتونات والنيوترونات التي يجمعها العلماء معًا تحت مصطلح الباريونات.


لكن اتضح بعد ذلك، عبر تحليل اشعاع الخلفية الكونية، أن المادة المظلمة ليست مادة باريونية. (للمزيد من التفاصيل انظر فقرة "إشعاع الخلفية الكونية" في هذا المقال)



3.2. فرضية أن قوانين الجاذبية غير دقيقة : نظرية MOND


هناك فرضيات أخرى تم تقديمها أيضا كحل لمشكلة الكتلة المفقودة، من بين هذه الفرضيات، هناك واحدة تقول أن سبب تغير منحنى دوران المجرات، ليس بالضرورة وجود مادة غامضة فشلنا في ملاحظتها ، ولكن ربما ببساطة لأن قوانين الجاذبية تختلف عما نتخيله. بمعنى أن قوانين الجاذبية قد لاتعمل بشكل صحيح إذا كانت المسافات كبيرة جدا (بالسنين الضوئية). 



وقد سبق ووقع المجتمع العلمي في هذا "الخطأ"، ففي بداية القرن العشرين ، سعى العلماء إلى إيجاد تفسير لشذوذ مدار كوكب عطارد. حيث لم تتمكن قوانين نيوتن من تفسير مداره الغريب. وبفضل نسبية أينشتاين ، أدرك العلماء أن قوانين نيوتن لن تعمل بشكل صحيح إذا كانت قوة الجاذبية كبيرة جدا. وتم تفسير هذه الظاهرة بقوانين النسبية العامة.



لذلك فالفرضية الثانية تقول ربما لا توجد مادة مظلمة على الإطلاق ، لكن قوانين الجاذبية ببساطة تختلف عن قوانين نيوتن ، ولكن هذه المرة ، على عكس مدار كوكب عطارد، لا يمكن استعمال قوانين النسبية العامة أيضا عندما يصبح مجال الجاذبية ضعيفًا جدًا.



تجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة لنجم يقع على أطراف مجرة ​​، فإن مجال الجاذبية الذي تمارسه كتلة باقي الأجسام في المجرة ضعيف جدا،  أضعف بمليار مرة من الجاذبية على سطح الأرض.



ولم نتمكن أبدًا من اختبار قوانين الجاذبية بشكل تجريبي في مثل هذه الحقول الضعيفة ، لذا يمكننا بالفعل تخيل أنها مختلفة عن قانون نيوتن.



يقترح صاحب هذه الفرضية التعديل التالي:


عند بلوغ مسافة معينة بين جسمين في الفضاء، فإن قوة الجاذبية لن تكون متناسبة مع 1/R² بل متناسبة مع 1/R. تسمى هذه النظرية بنظرية MOND (MOdified Newtonian Dynamics) أي الديناميكية النيوتونية المعدلة.



تتلاءم نظرية MOND مع مسار منحنيات دوران المجرات بشكل مثالي، لأنه إذا انتهى الأمر بتسارع الجاذبية بالتناقص بنسبة 1/R ، فمن الطبيعي أن تصبح سرعة الدوران ثابتة عندما نبتعد بما فيه الكفاية.



تقدم هذه النظرية حلا لمشكلة مسار منحنيات الدوران، لكن لا تزال هناك عدة أمور لم يتم حلها.



  • المشكلة الأولى أنه في مناطق معينة من الكون نلاحظ أن المادة العادية والمادة المظلمة لا يتوزعان بنفس الطريقة. فمثلا في التجمع المجري المسمى ب "الطلقة". هذه مجموعة من المجرات ناتجة عن تصادم مجموعتين سابقتين والتي تُظهر الملاحظات توزيعًا مختلفًا تمامًا للمادة المظلمة والمادة الخفيفة. وهو ما لا يتفق على الإطلاق مع نظرية MOND.


  • المشكلة الثانية، أن بعض المجرات تحتوي على نسبة كبيرة من المادة المظلمة وأخرى لا تحتوي إطلاقا على المادة المظلمة. ففي أغسطس 2016، لاحظنا أن أكثر 99 % من  مجرة اليعسوب 44 يتكون من المادة المظلمة. ومؤخرا في سنة 2021، تم اكتشاف مجرة تسمى AGC 114905 خالية تماما من المادة المظلمة. وهو الأمر الذي لا يتلاءم كثيرًا مع فكرة نظرية MOND، الناجمة عن تعديل بسيط لقوانين الجاذبية.





3.3 إشعاع الخلفية الكونية ومدى صحة نظريتي MACHOs و MOND


توجد أدلة أخرى تشير إلى طبيعة أكثر غرابة للمادة المظلمة، بعض هذه الأدلة مرتبطة بنشأة الكون.



فقد حدث الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة، وأكبر دليل على أن الكون قد مر بفترة كانت الكثافة والحرارة كبيرتين الى درجة هائلة داخل الكون، هو إشعاع الخلفية الكونية.



من خصائص هذا الإشعاع أنه يوجد في أي مكان في الكون مهما كان الاتجاه الذي تنظر إليه. لكن هناك تغيرات طفيفة في هذا الإشعاع من مكان لآخر.



من خلال تحليل هذه التغيرات يمكننا رسم منحنى يبين تغير قوة إشعاع الخلفية الكونية، (طيف قوة تقلبات أشعة الخلفية الكونية). دون الدخول في التفاصيل، يمكننا من خلال شكل هذا المنحنى أن نعرف الكثير من التفاصيل عن مكونات الكون.




يخبرنا موقع القمة الأولى في الشكل التالي، عن الكمية الإجمالية للمادة الموجودة في الكون ، في حين أن حجم القمم الصغيرة الأخرى يجعل من الممكن تمييز المادة العادية عن المادة المظلمة.



إشعاع الخلفية الكونية




إذا كانت المادة المظلمة مادة طبيعية، مكونة من ذرات و بروتونات ونيوترونات، فإن القمة الأولى ستكون أعلى والقمم اللأخرى ستكون أصغر. لكن المنحنى يشير إلى وجود مادة مظلمة غير باريونية ويمكن حتى تقدير نسبتها ، حوالي 80%.



تم الوصول الى نفس الاستنتاجات  في النماذج التي تحاكي كيف أدت التغايرات الأولية للكون في وقت الانفجار العظيم إلى ظهور المجرات والنجوم.



كل هذه الملاحظات الكونية تستبعد نظرية MOND ونظرية MACHOs.




3.4. الجسيمات الثقيلة ضعيفة التفاعل WIMPs


حاليًا، يعمل بعض الباحثين على ما يسمى ب WIMPs (Weakly Interacting Massive Particles) و يؤمن البعض أن دراسة هذه الجسيمات يمكن أن يقودنا الى معرفة طبيعة المادة المظلمة. أو أن المادة المظلمة يمكن أن تتكون من هذه الجسيمات.



لكن ماهي هذه الجسيمات؟ 



  • فكر الباحثون أولا في النيوترينوات (Neutrinos). لكن كتلتها جميعا منخفضة جدًا بحيث لا يمكن تفسير كل المادة المظلمة.



  • فكر الكثير أيضا في ما يسمى بالجسيمات فائقة التناظر*تكمن المشكلة في أنه في مصادم الهادرونات الكبير، لم نتمكن أبدًا من رصد أدنى جسيم فائق التناظر وهناك الكثير من الأشخاص الذين بدأوا يشككون بجدية في وجودها.


* نظرية التناظر الفائق هي جزء من فيزياء الجسيمات والتي تقترح وجود مجموعة من الجسيمات الجديدة، وهي نظرية يتم استعمالها كثيرا في العمل على نظرية الأوتار.




  • هناك نظرية أخرى تقترح وجود جسيمات تسمى Axions، وهذه جسيمات لم يتم اكتشافها أيضا ومازالت مجرد فرضية.





اليوم هناك عدد من التجارب الجارية أو المخطط لها لاكتشاف هذه الجسيمات المرشحة المختلفة لـ WIMP ، إما عن طريق الكشف عنها مباشرة أو عن طريق الكشف عن دليل لوجودها، على الأقل في وقت ما من عمر الكون.




رغم كل هذه الفرضيات لم نتحصل على أي نتائج ملموسة عن طبيعة هذه المادة، ماذا لو كانت المادة المظلمة مجرد طريق مسدود؟




4. إعادة إحياء نظرية MOND




ماذا لو كان نهج MOND في النهاية هو النهج الصحيح ، ليس بالضرورة في شكله الحالي ، ولكن على الأقل في فكرة محاولة تعديل قوانين الجاذبية بدلاً من البحث عن مادة مظلمة افتراضية.




تم إحياء هذا الفكرة مؤخرًا في مقالتين علميتين.



  • الأولى، في أغسطس 2016 ، فمن خلال دراسة مجموعة من المجرات يصل عددها الى 153 مجرة ​​، وجد الباحثون تشابهًا غير عادي في شكل منحنيات الدوران تمامًا كما توقعت نظرية MOND.


  • البحث الثاني يرجع إلى إريك فيرليند ، عالم الفيزياء النظرية الهولندي الذي اشتهر بعمله في نظرية الأوتار. لعدة سنوات حتى الآن ، كان فيرليند يعمل على نهج مختلف جذريًا لمشكلة الجاذبية حيث يعتبر الجاذبية قوة يرجع أصلها الى الانتروبي (عدم الانتظام). حيث  اقترح فيرليند مقاربة جعلت من الممكن إيجاد معادلات لنظرية MOND تقودنا الى حل بعض المشاكل المتعلقة بالمادة المظلمة.



كما ترون ، فإن مسألة المادة المظلمة لا تزال قيد الدراسة، ولايزال أمام العلماء الكثير لدراسته سواء من الناحية النظرية أو التجارب أو الملاحظات الفيزيائية الفلكية. ولا عجب في ذلك فهي من المسائل الصعبة التي استعصت على العلماء لسنين عديدة.





 المصدر من هنا

تعليقات

التنقل السريع