القائمة الرئيسية

الصفحات

كيف تطير الطائرة - كل ما يمكنك معرفته

كيف تطير الطائرة




كيف تطير الطائرة



مع كل ثانية على الأرض، هناك طائرة تقلع من مكان وأخرى تهبط في مكان آخر. وبغض النظر عن الوقت، هناك ما يقرب من 15000 طائرة بصدد التحليق في الجو في كل لحظة في العالم.


لكن وفقا للبعض، ليس من السهل فهم كيف تطير الطائرات. وبالرغم من ذلك، توجد العديد من النظريات لشرح تحليق الطائرات. وهناك أيضًا نقاشات حادة بين المدافعين عن هذه النظريات فيما بينهم سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في المنتديات التي تضم هواة علوم الطيران والفيزياء.. 


لذا سنحاول في هذا المقال الاجابة عن سؤال كيف تحلق الطائرات.


1. القوة التي تؤثر على الطائرة

1.1. الصواريخ


في البداية، إن فكرة أن الطائرة تستطيع التغلب على الجاذبية و التحليق في الجو، تبدو غريبة الى حد ما. ولهذا يمكننا البدء بإجراء مقارنة مع الصواريخ. 


فعندما ينطلق الصاروخ الى الأعلى يكون معرضا الى قوتين متضادتين. 

الأولى هي قوة الجاذبية الأرضية التي تعتمد على وزنه. 

والثانية هي قوة الدفع الى الأعلى التي توفرها محركات الصاروخ. ويمكننا أيضا أن نضيف أنه في الغلاف الجوي لدينا أيضًا قوة احتكاك الهواء التي تعارض صعود الصاروخ. ولكنها ضعيفة مقارنة بالقوتين السابقتين.



الصواريخ



1.2. الطائرات


لكن الطائرة مختلفة تماما. هي أيضًا  تخضع لقوة الجاذبية الارضية التي تتجه للأسفل، لكن قوة دفع محركات الطائرة هذه المرة ليست عمودية متجهة للأعلى مثل الصواريخ. ولكنها أفقية بحيث تسمح للطائرة بالتحرك إلى الأمام. 



فمن أين تأتي القوة التي تعوّض قوة الجاذبية الأرضية وكيف تستطيع الطائرة البقاء في الهواء؟



في الواقع تخضع الطائرة لقوة إضافية. تسمى قوة الرفع والتي تتجه عموديًا باتجاه الأعلى وتساعد على تعويض الوزن بحيث تظل الطائرة على ارتفاع ثابت في الهواء.


 لكن من أين تأتي قوة الرفع هذه؟


الطائرات





لفهم سبب هذه القوة ، لا بد ان ندرس ميكانيكا الهواء الذي تسبح فيه الطائرة والذي يلعب دورًا أساسيًا في تحليقها و استقرارها في الأعلى.



ففي مكان بلا هواء، يمكن أن نجعل الصواريخ تنطلق بدون مشاكل لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للطائرة، فهي تحتاج للهواء لكي تحلق.




السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو كيف يمكن لهذا الهواء أن يخلق القوة التي تمكن الطائرة من الثبات في الجو؟



1.3. النظرية الأولى


تتمثل إحدى طرق طرح مشكلة تأثير الهواء على الطائرة في تخيل أن الهواء ساكن والطائرة تتحرك فيه أفقيًا بسرعة معينة بفضل قوة دفع محركاتها. 



لكن لتبسيط العملية أكثر، هناك طريقة أخرى أيضا، وهي أن تضع نفسك من وجهة نظر الطائرة، في إطارها المرجعي. فلنتخيل أن الطائرة  هي الثابتة وأن الهواء هو المتحرك مثل الرياح.



أول ما يأتي على بالنا هو أن نتخيل أن الطائرة تبقى مستقرة في الهواء بفضل تأثير الرياح التي تضرب الجانب السفلي من الأجنحة لأن الأجنحة دائمًا ما يكون لها ميل صغير، وهو ما يسمى الزاوية d. 


يمكننا بسهولة حساب القوة التي ترفع الطائرة أعتمادا على السرعة و كثافة الهواء و الزاوية d.


لكن لسوء الحظ ، إذا أجرينا هذا الحساب سنجد أن قيمة هذه القوة منخفضة جدًا للسماح للطائرات بالإستقرار في الأعلى.


بالإضافة إلى وجود مواقف معينة لا يعمل فيها هذا التفسير بوضوح، لا سيما على سبيل المثال المراكب الشراعية التي تسير في اتجاه الرياح حيث أن أشرعتها تكوّن زاوية بين 45 و 90 درجة في مواجهة الريح.



 مع نظرية تأثير الهواء البسيطة هذه ، لا ينبغي أن يكون من الممكن حتى على المراكب الشراعية التحرك للخلف ، ومع ذلك فإنها تتحرك إلى الأمام. 




2. حركة جزيئات الهواء

2.1. اضطراب جزيئات الهواء



جميعنا نعلم أن الهواء عبارة عن غاز مكون من جزيئات، و تتميز هذه الجزيئات الغازية بتحركها بسرعة كبيرة جدا. ففي درجة الحرارة العادية (25 درجة مئوية)، تبلغ سرعة الجزيئات التي يتكون منها الهواء حوالي 350 مترًا في الثانية أي 1000 كم في الساعة، وتتصادم مع بعضها البعض بمعدل هائل، حيث يتعرض كل جزيء لعدة مليارات من التصادمات في الثانية.


 وبالتالي حتى في حالة الغياب التام للرياح ، تكون جزيئات الهواء من حولنا شديدة الاهتياج. ولكن حينما ننظر نرى أن الهواء ساكن لا يتحرك، لأن سرعات كل الجزيئات تعوض بعضها البعض.



 و إذا كان لدينا رياح عند 50 كم في الساعة مثلا ، فهذا يضيف فقط حركة بسيطة في اتجاه واحد لجميع الجزيئات التي تصطدم ببعضها بشكل دائم.



حسنا هذا كلام جميل، لكن ما علاقة هذا الاضطراب المجهري للجزيئات بموضوع الطائرات؟




2.2. تأثير اضطراب جزيئات الهواء على أجنحة الطائرة


الاجابة هي لأن هذه الاضطرابات في جزيئات الهواء تحدث دائما في أي مكان في الهواء و حول جميع الأجسام، بما في ذلك أجنحة الطائرات.



فعندما تكون الطائرة واقفة على الأرض ، فإنها تتعرض لقدر كبير جدا من الاصطدامات من جزيئات الهواء، خاصة على أجنحتها ، ولكن يتم موازنة الصدمات الموجودة على الجانب السفلي لجناح الطائرة بتلك الموجودة في الجانب العلوي للجناح.



لكن عندما تتحرك الطائرة بسرعة معينة، ستبقى هذه الاصطدامات موجودة على كلا الجانبين ولكن سيكون هناك تصادمات أكثر قليلاً على الجانب السفلي من الأجنحة وأقل قليلاً على الوجه العلوي وهذا الاختلاف هو الذي سيخلق قوة الرفع الذي يسمح للطائرات بالبقاء في الهواء.





3. سبب قوة رفع الطائرة

الآن يتعين علينا فهم سبب حدوث هذه التصادمات على جانب واحد من الجناح أكثر من الجانب الآخر.


فعلى المستوى المجهري، يمكن تفسير القوة التي ترفع الطائرة على أنها ناتجة على الاختلاف بين عدد الجزيئات التي تصدم جناح الطائرة من الأسفل و بين التي تصدمه من الأعلى. 



يمكننا أن نتخيل الجناح في شكل ثنائي الأبعاد، ونحاول تصور الطريقة التي يتدفق بها الهواء عندما تتحرك الطائرة. وكما قلنا سابقا سنتخيل الجناح بلا حراك والهواء هو المتحرك بسرعة معينة.


لتصور تدفق الهواء ، لدينا طريقتان:


3.1. تجربة نفق الرياح


الطريقة الاولى، عن طريق أجراء تجارب،  مثل تجربة نفق الرياح. 



نضع جناح الطائرة (بحجم صغير) في مكان يتدفق فيه الهواء ، ومن خلال حقن الدخان في أماكن معينة في التدفق قبل أن يصل الى الجناح ، يمكننا تصور مساره.


وكما ترون في الصورة التالية، أن الدخان قد شكل خيوطا متواصلة.



تجربة نفق الرياح







3.2. المحاكاة الرقمية و معادلات نافييه-ستوكس

الطريقة الثانية لتصور هذه التدفقات ، وهو إجراء محاكاة باستخدام جهاز كمبيوتر.



إن ميكانيكا وحركة الموائع (مثل الهواء و السوائل) يتم وصفها دائما عبر معادلات مشهورة تسمى معادلات نافييه-ستوكس (the Navier–Stokes equations) و هذه المعادلات تسمح لنا بإجراء محاكاة تدفق الهواء حول جناح الطائرة باستخدام جهاز كمبيوتر.



معادلات نافييه-ستوكس



ففي الصورة التالية يمكننا رؤية المظهر الجانبي للجناح  المائل بزاوية معينة و خطوط الهواء المتدفق حوله ومن الواضح أنها تشبه الخطوط التي تحصلنا عليها في تجربة نفق الرياح.



الجميع يعرف أن الهواء له كثافة معينة لكننا لا نشعر بها، فالمتر المكعب من الهواء يزن تقريبا 1 كيلوغرام.
وهذه الكثافة يمكن أن تختلف حيث يعتمد الأمر على كمية الجزيئات الموجودة، والتي تعتمد في حد ذاتها على تدفقات الهواء.



و بذلك فإن المعادلات التي نستخدمها في المحاكاة (معادلات نافييه-ستوكس) تعطينا أيضًا كثافة الهواء الذي يتدفق حول جناح الطائرة. ففي الصورة التالية يتم تمثيل كثافة الهواء الطبيعية باللون الأبيض، و الهواء الكثيف باللون الأحمر، و الهواء الأقل كثافة باللون الأزرق.




المحاكاة الرقمية




هذه الاختلافات في الكثافة مهمة ، لأنها تؤثر بشكل مباشر على كمية الصدمات التي تتعرض لها جزيئات الهواء عند سطح جناح الطائرة.



وبسبب الاختلافات في الكثافة، (أي كمية الجزيئات الموجودة) سيتعرض السطح العلوي للجناح لصدمات أقل من هذه الجزيئات وسيتعرض السطح السفلي للجناح لكمية أكثر من صدمات جزيئات الهواء. وهذا الاختلاف هو الذي يصنع القوة التي ترفع الطائرة.





4. مبدأ برنولي



يمكن التعبير عن هذا الاختلاف في كثافة الهواء حول الأجنحة على أنه اختلاف في الضغط فالهواء الموجود أسفل الجناح يتعرض لضغط زائد بشكل طفيف، والهواء فوقه يتعرض الى انخفاض طفيف و هذا هو فرق الضغط الذي يسمح بحساب القوة التي ترفع الطائرة.



ومن الأمثلة المدهشة على تغير الضغط هذا، أننا نرى أحيانًا شيئا يشبه السحب يتشكل فوق أجنحة الطائرات، وهي في الواقع عبارة عن تكثف لقطرات الماء الناتج عن انخفاض الضغط فوق أجنحة الطائرة.




لكن ليس هذا فقط هو الاختلاف بين السطح العلوي و السطح السفلي لأجنحة الطائرة، ففي الحقيقة هناك عامل آخر مهم، وهو سرعة تدفق الهواء حول الجناح، ففي السطح العلوي ذو الضغط المنخفض تكون جزيئات الهواء سريعة جدا بحيث لا تلامس سطح الجناح فيتكون ضغط منخفض، أما أسفل الجناح، فتكون سرعة الهواء أبطأ قليلا.



هذا الرابط الذي نلاحظه بين سرعة و ضغط الهواء يأتي مما يسمى بمبدأ برنولي الذي يقول : على خط تدفق الهواء ، هناك علاقة بين  الضغط و السرعة بحيث عندما تزيد السرعة ينخفض ​​الضغط والعكس صحيح.



مبدأ برنولي



لذلك يمكننا القول أنه بفضل مبدأ برنولي ، تتولد قوة رفع الطائرة وأن الطائرات يمكنها الطيران.




5. قانون نيوتن الثالث



لكن لسبب ما، لا يتفق بعض الناس مع هذا التفسير ، وقد تم اقتراح نظرية أخرى يفترض أنها أكثر صحة ، وهي مبنية على المبادئ التي وضعها نيوتن.




لذلك دعونا نرى هذا التفسير الآخر لتحليق الطائرات والذي يعتبر نتيجة لمبادئ ميكانيكا نيوتن.
عند تدفق الهواء حول جناح الطائرة، يأتي الهواء في البداية موازيا للأرض، ولكن بعد المرور من الجناح، بصبح متجها الى الأسفل. 




لإحداث هذا التغيير في حركة الهواء، يخبرنا قانون نيوتن الثاني أن الهواء قد خضع  لقوة من قبل الجناح جعلته يتجه للأسفل.




ووفقا لمبدأ نيوتن الثالث الذي يقول انه لكل فعل هناك ردة فعل مساوية له في القيمة و معاكسة في الاتجاه، فإن الهواء أيضا قد أثر على الجناح و جعله يتجه للأعلى، و من هنا أتت القوة التي ترفع الطائرة.




هذا التفسير النيوتوني يبدو أكثر بساطة و ووضوحا فلا داعي هنا للحديث عن الضغط كما هو الحال مع برنولي ، وبالتالي يعتبره البعض أفضل وأكثر صحة من التفسير القائم على مبدأ برنولي.




لكن هذين التفسرين في الواقع متماثلان تمامًا.




فباستخدام معادلات نافييه-ستوكس لميكانيكا الموائع ، يمكننا أن نظهر رياضيًا أن قوة رفع الطائرة التي يتم حسابها بمبدأ برنولي مساوية تمامًا للقوة التي يتم حسابها عبر قانون نيوتن الثالث:




مبدأ برنولي وقانون نيوتن الثالث




وبذلك فإن القوة التي ترفع الطائرة و تجعلها مستقرة في الهواء تأتي بسبب اختلاف الضغط بين جانبي الجناح، و يمكن تفسير هذه القوة أيضا على انها نتاج لقانون نيوتن الثالث.

تعليقات

التنقل السريع