ماذا يحدث للزمن داخل الثقب الأسود
كيف يتغير الزمن داخل الثقوب السوداء
1. مفاهيم نظرية النسبية العامة
1.1. المخروط الضوئي
إن الضوء ينتشر في كل الأتجاهات انطلاقا من مصدره، مكونا بذلك كرة من الضوء، أو فقاعة، وتكبر مع مرور الوقت في كل الإتجاهات بسرعة الضوء. إذا كنا بداخل هذه الكرة فمن المستحيل الخروج منها، لأنه، ولفعل ذلك لابد لنا من تجاوز سرعة الضوء.
تخيل أن هذه الفقاعة الضوئية ثنائية الأبعاد، ستلاحظ الآن أن قطرها يزداد مع مرور الوقت، إذا قمنا بتقسيم حركة فقاعة الضوء إلى وحدات زمنية صغيرة فسنلاحظ عدة دوائر داخل بعضها. واذا قمنا بإنشاء رسم تخطيطي لهذه الحركة مع مرور الزمن فسنلاحظ أن هذه الفقاعة الضوئية تكبر بمرور الوقت و تشكل مخروطا، حيث يتسع هذا المخروط باتجاه المستقبل.
تميل جدران هذا المخروط بمقدار 45 درجة، وذلك لأن الضوء يقطع نفس المسافة دائما في الوقت نفسه، ففي سنة يقطع الضوء مسافة 1 سنة ضوئية. يسمى هذا المخروط بالمخروط الضوئي.
كلما تقدم الزمن، يزداد هذا المخروط الضوئي اتساعا، ومهما فعلنا، تبقى حركتنا مقيدة داخل هذا المخروط ولا تستطيع الخروج منه.
في نظرية النسبية العامة، تعتبر هذه المخروطات الضوئية أساسية لفهم بنية الكون، وخصوصا قانون السببية. لفهم ذلك، فلنتخيل حدثا يوجد على مسافة معينة من الأرض، لنقل أنه انفجار سوبرنوفا مثلا. هذا الحدث، لن يشعر به سكان الأرض ولن يروه إلا عندما يصل إليهم الضوء الخاص بهذا الحدث، وقبل ذلك لن يصل إلينا شيء بخصوص هذا الإنفجار لأنه لايوجد شيء ينتقل أسرع من الضوء. لن يشعر سكان الأرض بأي شيء إلا عندما يدخلون داخل المخروط الضوئي الخاص بهذا الحدث.
1.2. الزمكان
يمكّننا المخروط الضوئي أيضا من فهم الفرق الأساسي بين مفهومي الزمان والمكان من ناحية فيزيائية. ففي المكان يمكننا التنقل في أي اتجاه، واتخاذ أي مسار نريده. ولكن في الزمان، كل الأشياء تنتقل في اتجاه واحد، من الماضي في اتجاه المستقبل.
عن طريق المخروط الضوئي يمكننا معرفة هذا الفرق بين الزمان والمكان، فهو يجبر كل الأجسام على التقدم ناحية المستقبل مهما كانت حركتها في المكان. فلا نستطيع الرجوع الى الوراء في الزمن لأنه من المستحيل الخروج من المخروط الضوئي. هذه الخاصية، تمكننا من إيجاد تعريف دقيق لمفهوم الزمان، فالزمن في نظرية النسبية هو ببساطة الأتجاه الذي تسلكه المخاريط الضوئية. هو الإتجاه الذي تشير إليه جميع المسارات الممكنة لأي جسم في الكون. لكن المكان هو مجموعة الإتجاهات المتعامدة مع الزمن. مجموعة هذه الإتجاهات، تكوّن مع الزمن ما نسميه بالزمكان.
1.3. نظرية النسبية العامة
لنتخيل الآن أنه يوجد جسم ذو كتلة كبيرة، كالأرض مثلا. إذا أسقطنا تفاحة من علو معين فإنها ستنجذب شيئا فشيئا نحو الأسفل، مدفوعة بجاذبية الكوكب. وإذا كانت الجاذبية تسحب المادة، فإنها تسحب الضوء أيضا، فإذا كانت التفاحة تصدر فقاعات ضوئية، فإن جاذبية الكوكب ستسحب الضوء أيضا، فبمحاذاة جسم له كتلة كبيرة، لن يعود المخروط الضوئي أفقيا بل سينحرف قليلا نحو هذا الجسم، بفعل الجاذبية. بمعنى آخر أن الزمان سيكون منحني باتجاه مركز هذا الجسم، فالتفاحة تسقط باتجاه الأسفل لأن مستقبلها موجه نحو الأسفل.
إن الأجسام ذات الكتلة العالية "تشوه" بنية الكون، أما الزمان والمكان يمثلان مفهومان نسبيان، حيث أتجاههما مرتبط بوجود كتلة معينة ومقدارها، فكلما كان الجسم كبيرا من حيث الكتلة، كلما زاد مقدار انحناء الزمكان. هذه هي النسبية العامة.
2. الثقوب السوداء
2.1. الزمكان حول الثقوب السوداء
تعرفنا في مقال سابق عن الثقوب السوداء وأنواعها وكيف تكونت. فهي باختصار جسم له كتلة كبيرة ومضغوط للغاية، بحيث تكون كثافته لانهائية. هذا النوع من الأجسام سينشئ انحناء كبيرا في الزمكان بحيث عند بلوغ مسافة معينة منه، تكون المخاريط الضوئية متجهة كليا نحو مركزه. فإذا كان لدينا مصدرا للضوء في هذا المكان، فكل الأشعة الضوئية التي يصدرها ستتجه نحو مركزه مهما كان اتجاهها في البداية.
فالثقوب السوداء هي مناطق ذات شكل كروي، حيث انحناء الزمكان يوجه كل الأجسام نحو المركز. لتبسيط الأمر، لنتخيل أن الكون ثنائي الأبعاد والثقب الأسود هنا يمثل دائرة، عند تحرك الثقب الأسود في الزمان (نحو المستقبل طبعا) فإنه يبدو على شكل اسطوانة. تسمى حدود الثقب الأسود بأفق الحدث، وتحت أفق الحدث هذا، كل الضوء سيبتلعه الثقب الأسود.
2.2. ما يحدث للزمان والمكان داخل الثقب الأسود
لنتخيل أحدا يشاهد الثقب الأسود من مكان بعيد، فبالنسبة إليه، الجاذبية حوله ضعيفة جدا، وشبكة الزمكان منتظمة. أما أفق الحدث، فبالنسبة إليه ساكن ويتحرك في الزمن من الماضي نحو المستقبل.
لنتخيل الآن وجود رائد فضاء بصدد السقوط داخل الثقب الأسود، كلما اقترب هذا الرائد من أفق الحدث، يشاهد الزمن والمكان ينحنيان شيئا فشيئا. عندما يصل إلى أفق الحدث، لن يشعر الرائد بأي شيء، لكن الآن سيكون الزمن والمكان منحنيان بمقدار 45 درجة بالنسبة إلى الرجل الذي يشاهد من بعيد. بالنسبة لرائد الفضاء هذا، أفق الحدث ليس خطا أفقيا متجها من الماضي نحو المستقبل، بل خطا مائلا بمقدار 45 درجة، تماما مثل جدار المخروط الضوئي وهذا ما يفسر استحالة الخروج من الثقب الأسود، حيث أن افق الحدث مطابق تماما لحدود المخروط الضوئي (الذي من المستحيل الخروج منه إلا إذا تجاوزت سرعته سرعة الضوء).
عندما يتجاوز رائد الفضاء أفق الحدث، تنقلب مفاهيم الزمان والمكان بينه وبين الذي يشاهد الثقب الأسود من مكان بعيد. فالزمان يصبح مكانا، والمكان يصبح بالنسبة له، لحظات زمنية. حيث يصبح الزمن متجها إلى الأسفل ( كان "الأسفل" إحدى الإتجاهات المكانية عندما كان خارج الثقب الأسود) أما أفق الحدث فلن يعود بالنسبة لرائد الفضاء مكانا في الفضاء بل أصبح لحظة من الماضي. أما مركز الثقب الأسود فلن يصبح بالنسبة له نقطة في الفضاء، بل حدثا مستقبليا لايمكن الهروب منه. تحت أفق الحدث، كل الأجسام تسقط ناحية المركز، لأنه في هذا الإتجاه يكمن مستقبلهم.
إذا وصل رائد الفضاء الى مركز الثقب الأسود، أو ما يعرف بنقطة التفرد، فلا أحد إلى حد اليوم يعرف ما سيحدث. فعند هذه النقطة تصبح النماذج الرياضية غير صالحة، وهذه إحدى المسائل الفيزيائية التي يبحث عن إجابتها الكثيرون.
معلومات مفيدة جدا، بالتوفيق
ردحذفشكرا على تشجيعك لنا أخي
حذفأسعدنا تعليقك